لقد اجتمع ليوسف عليه السلام ، من الدواعي لإتيان الفاحشة الشيء الكثير ؛
فلقد كان شابا و فيه من الشباب ما فيه ،
(( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ))
[يوسف:24] .
و قد غلقت الأبواب ، و هي ربة الدار ،
و تعلم بوقت الإمكان و عدم الإمكان فكان ماذا ؟
(( قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ))
[يوسف:23] .
استعاذة و تنزه و إستقباح ، و لماذا ؟ و ما هو السبب ؟
لأنه يعبد الله كأنه يراه ، فأراه الله برهان ربه
((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ **
فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ))
[النازعات:40، 41] .
(( كان الكفل، من بني إسرائيل ، لا يتورع من ذنب عمله ،
فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها ، فلما أرادها على نفسها ،
أرتعدت و بكت ،
فقال : ما يبكيك ؟
قالت: لأن هذا عمل ما عملته ، و ما حملني عليه إلا الحاجة .
فقال : تفعلين أنت هذا من مخافة الله ، فأنا أحرى ،
اذهبي فلك ما أعطيتك و والله ما أعصيه بعدها أبدا ،
فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه :
إن الله قد غفر للكفل ، فعجب الناس من ذلك ))
رواه الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه .
فاتقوا الله ـ معاشر المسلمينـ و تخلقوا بأخلاق رسول الله و أهتدوا بهديه تفلحوا ،
و يتحقق لكم ما وعدكم به من الاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله .
بارك الله لي و لكم في الوَحيين ، و نفعني و إيّاكم بهدي سيِّد الثقلين ،
أقول قولي هذا ، و أستغفر الله العظيم الجليل لي و لكم و لسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ ،
فأستغفروه و توبوا إليه ؛ إنه كان توّابًا .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
و أشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي و سلامه عليه و على آله و أصحابه
و من اهتدى بهديهم و أتبع سنتهم إلى يوم الدين .
أمـــا بعـــد :
فاتقوا الله أيها المسلمون ، و أعلموا أن من الناس ، من أنعم الله عليه بشيء من المال ،
فما أنكر فضل الله عليه ، بل هو ينفق بسخاء ، و يتسلل إلى المساكين لواذا ،
يعلم أن من الفقراء من يحرجه علنية العطاء ، فذاك رجل تخطى عقبة الجشع ،
أنقذه الله ممن عبدوا الدينار و الدرهم ، قد قضوا على أنفسهم أن يعيشوا مرضى بالصحة ،
فقراء بالغنى ، مشغولين بالفراغ ، لكنهم مع ذلك لا يجدون في المال معنى الغنى ؛
إذ كم من غني يجد و كأنه لم يجد ،
و ما علم قول النبي عليه الصلاة و السلام :
(( اليد العليا خير من اليد السفلى ))
متفق عليه .
إن النفس بطبعها ، تميل إلى إبراز عملها ، لا سيما الصدقة ، كل هذا لتحمد ؛
فإذا ما جاهد المرء نفسه ،
حق له أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
و رحم الله مالك بن دينار ؛ حيث يقول :
( قولوا لمن لم يكن صادقا لا يتغنى )
و لقد قال أبن عائشة ، قال أبي :
( سمعت أهل المدينة يقولون :
ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين رضى الله تعالى عنه ) .
عباد الله ، ما أسعدها من لحظات ، يجلسها المرء خاليا فيها مع نفسه ،
يناجي ربه و خالقه ، فيهتن دمعه عذبا صافيا ، خاليا من لوثة الرياء ،
و إن نيران المعاصي التي تأتي على قلب المسلم ،
فتحيله إلى فحم أسود كالكوز مجخيا ، لا يطفئها إلا تلك الدموع ،
التي تنهمر على إثر ذكر الخالق و خشيته ، و لقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار ،
فإذا جن الليل فكأنه قتل أهل القرية من البكاء .
و قام محمد بن المنكدر ذات ليلة فبكى ، ثم أجتمع عليه أهله ،
ليستعلموا عن سبب بكائه ، فأستعجم لسانه ، فدعوا أبا حازم ،
فلما دخل هدأ بعض الشيء ، فسأله عن سبب بكائه فقال : تلوت قول الله
(( وَبَدَا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ ))
[الزمر:47] .
فبكى أبو حازم ، و عاد محمد بن المنكدر إلى البكاء
فقالوا : أتينا بك لتخفف عنه فزدته بكاء .
روى النسائي و أحمد من حديث عقبة بن عامر قال :
قلت : يا رسول الله : ما النجاة ما النجاة ؟ قال :
(( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك )) .
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ و أعلموا أنه لابد من الخوف و البكاء ،
إما في زاوية التعبد و الطاعة ، أو في هاوية الطرد و الإبعاد ،
فإما أن تحرق قلبك ـ أيها المسلم ـ بنار الدمع على التقصير ،
و إلا فأعلم أن نار جهنم أشد حرا
(( فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ))
[التوبة:82] .
ألا فأكثِروا ـ يرحمكم الله ـ من الصلاة و السلامِ على الحبيب رسولِ الله
كما أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه ، فقال تعالى قولاً كريمًا :
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب:56] ،
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
(( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا )) .
اللّهمّ فاجز عنّا نبيّنا محمّدًا خيرَ الجزاء و أوفاه ، و أكمله و أسناه ،
و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ، و لحقِّه أداءً ،
و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد ، و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك أحبَّ إلينا من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللهم أعزَّ الإسلام و المسلمين ... ثم باقى الدعاء
أنتهت