و أتوب إليه و أستغفره و هو غفّار الذنوب ،
و أشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له علاّم الغيوب ،
و أشهد أنّ سيّدنا و نبيَّنا محمدًا عبدُ الله و رسوله
كشَفَ به ربُّه الغُمَّة و دَفع الخُطوب ،
صلى الله و سلم و بارك عليه ، و على آلِهِ و أصحابه ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان ، ما أشرقت شمسٌ و آذنَت بالغروب ،
و سلَّم تسليمًا كثيرًا .
أمــــا بعــــد :
فمَن عظُمَت الدنيا في عينَيه أحبَّ المدح و كرِهَ الذّمَّ ،
و ربما حملَه ذلك على تركِ كثيرٍ منَ الحقّ خشيةَ الذم ،
و الإقدام على شيءٍ من الباطل ابتغاءَ المدحِ ، فهو كاسبٌ لغيره ،
فقرُه بلُؤم طبعِه و إشراق نفسه ، لا ينتفِع بشيء ، و لا يسترِيح من تعَب ،
كم من غنيٍّ كثيرِ المال تحسبُه فقيرًا مُعدمًا ! نفسُه صغيرة ، و وجهه عابس ،
ترهَقُه قتَرَة ، حريصٌ على ما في يديه ، طامعٌ فيما لا يقدر عليه .
يقول بعض العلماء :
" لقد جَهِل قومٌ فظنُّوا أنَّ الزهدَ تجنُّبُ الحلال ، فاعتَزَلوا النّاس ، و ضيَّعوا الحقوقَ ،
و جَفَوا الأنام ، و أكفهَرَّت وجوههم ، و لم يعلموا أن الزهدَ في القلب ،
و أن أصله إنصراف الشهوة القلبيّة ، فلمّا اعتزلوها بالجوارح ظنُّوا أنهم أستكمَلوا الزهدَ ،
و القلبُ المُعلَّقُ بالشهوات لا يتمُّ له زُهدٌ و لا ورع " .
ألا فاتقوا الله يرحمكم الله،
و خذوا من صحتكم لمرضِكم ، و من حياتكم لموتِكم ،
و من غِناكم لفقركم ، و من قوّتكم لضعفكم ،
و نِعم المال الصالح للرّجل الصالح ، و الغِنى غِنى النفس ،
لا عن كثرة العَرَض و المال .
ثمّ أكثِروا من الصلاة و السلام على سيّد الأنام ،
أكثِروا من الصلاة و السلام على سيد الأنام في جميع الأوقات و الأيّام ،
و أعلموا أن للصلاة عليه في هذا اليوم مَزيَّةً وحكمة ،
فكل خيرٍ نالَته أمتُه في الدّنيا و الآخرة فإنما نالَته على يده ،
فجمَع الله لأمّته به خيرَي الدنيا و الآخرة ،
فأعظَم كرامةٍ تحصُل لهم فإنما تحصُل يومَ الجمعة ،
فإنّ فيه بعثَهم إلى منازلهم ، و حضورَهم مساكنَهم في الجنّة ،
و هو يوم المزيد لهم إذا دخَلوا الجنّة ، و هو يومُ عيدٍ لهم في الدّنيا ،
و لا يُرَدُّ فيه سائلُهم ،
و هذا كلُّه إنما عُرِف و تحصَّل بسبَبه و على يده عليه الصلاة و السلام .
فمن الشّكر و أداء الحق أن تُكثِروا من الصلاة و السلام عليه ،
كيف لا و قد أمرَكم ربّكم بذلك في قوله عزّ شأنه :
إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب: 56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارِك على عبدك و رسولك نبيِّنا محمد ،
صاحبِ الوجه الأنور ، و الجبين الأزهر ، و الخُلُق الأكمل ،
و على آل بيته الطيّبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهاتنا أمّهات المؤمنين ،
و أرضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين و الأئمة المهديين :
أبي بكر و عمر و عثمان و عليّ ، و عن الصحابة أجمعين ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنّا معهم بعفوك و جودك و كرمك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذِلَ الشّرك و المشركين ،
و أحمِ حوزة الدين ، و أنصر عبادك المؤمنين ...
ثم لندعو بما نشاء و نحب