01-12-2011, 12:11 PM
|
Moderator
|
|
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
|
|
43 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / العمل الصالح
43 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / العمل الصالح
فى العشر الأول من ذى الحجة
لفضيلة العضو الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
الحمد لله المتفضِّل بكلّ نعمة ، دافعِ كلّ نقمة ، له الخلق و الأمر ،
و إليه المرجع و المستقرّ ، يتفضّل بالصالحات و يجزي عليها ،
و ينعم بالخيرات و يوفِّق إليها ، أحمده تعالى و أشكره و قد تفضّل بالزيادة لمن شكر ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، صلى الله عليه و على آله و صحبه
ما تعاقب الشمس و القمر .
أمــــا بعـــد :
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ، فأتقوا الله رحمكم الله ،
و أرغبوا فيما عنده ، و لا تغرنكم الحياة الدنيا ، فطالبها مكدود ،
و المتعلق بما متعب مجهود ، و الزاهد فيها محمود ، و أستعيذوا بالله من هوى مطاع ،
و عُمُر مُضاع ، و رحم الله عبدًا أعطي قوةً و عمل بها في طاعة الله ،
أو قصر به ضعف فكفَّ عن محارم الله .
أيها المسلمون ، للمسلم في كل ساعة من عمره وظيفة لربه ،
عليه أن يقوم بها حسب الاستطاعة ، و على قدر الطاقة ، فاتقوا الله ما استطعتم ،
لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
[ البقرة : 286 ] .
إنها وظائف ومطلوبات تستغرق الحياة كلها ،
وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ
[الحجر:99]،
قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ
[ الأنعام : 162 ، 163 ] .
ناهيكم ـ أيها المسلمون ـ بما أمتن الله به على عباده من مواسم الفضل و نفحات الدهر ،
في شهر رمضان كله ، ثم في عشره الأخيرة ، و في عشر ذي الحجة ،
و في يوم عرفة ، ثم في الحج و مناسكه ،
في كل هذه المواسم و النفحات مزيدُ الفضل و مضاعفات الأجر .
إن هذه الوظائف و المرغوبات تستدعي من المسلم الحصيف
أن يتلمَّس الأعمال الصالحات ، و يتحرَّاها في حقيقتها و أثرها و سعتها و ثمارها .
أيها المسلمون ، الأعمال الصالحات منزلتها في الدين عظيمة ،
و مرتبتها في الإسلام عالية ، فهي قرين الإيمان في كتاب الله ، و أثره و ثمرته و جزؤاه ،
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
[ طه : 112 ] ،
إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً
[ الكهف : 107 ] ،
مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
[ النحل : 97 ] .
كتاب الله العزيز و سنة نبينا محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
قد تظافرا في بيان حقيقة ذلك و متطلباته ، و أثره و ثماره ،
و سعة دائرته و علامة صحته ، و أسباب قبوله .
أيها الإخوة : الإيمان بالله و معرفته و توحيده ، و معرفة الحق ،
و إخلاص العمل و لزوم السنة ، و أكل الحلال ، و المداومة و القصد و التوسط ،
و إتباع السيئة الحسنة ، و التوبة و الاستغفار و البكاء على الخطيئة ،
كل أولئك علائم و منارات و ضوابط و متطلبات لتحقيق العمل الصالح .
من عرف الله و لم يعرف الحق لم ينتفع ، و من عرف الحق و لم يعرف الله لم ينتفع ،
و من عرف الله و عرف الحق و لم يخلص العمل لم ينتفع ،
و من عرف الله و عرف الحق و أخلص العمل و لم يكن على السنة لم ينتفع ،
و إن تمَّ له ذلك و لم يأكل الحلال و يجتنب الحرام و أكبَّ على الذنوب لم ينتفع .
عباد الله : لا يرجو القبول إلا مؤمن بربه و بآياته ، عابدٌ مخلص ،
و جلٌ مشفق ، يستصغر عباداته ، و يستقلُّ طاعاته ، مدركٌ لجلال الله و عظمته ،
و علمه و إحاطته ، رقيب له في شعائره و مشاعره .
أيها المسلمون : العمل الصالح لا بد أن يكون سليمًا من الشرك كبيره و صغيره ،
دقيقه و جليله ، خفيِّه و جليِّه ،
فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً
وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا
[ الكهف : 110 ] ،
و في الحديث الصحيح :
(( يقول الله عز و جل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك،
من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )) .
و لا بد في العمل الصالح أن يكون سليمًا من البدع و محدثات الأمور ،
يقول عليه الصلاة و السلام :
(( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) ،
و (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))،
(( و إياكم و محدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة )) ،
و العمل الصالح ـ أيها الإخوة المسلمون ـ لا بد فيه من الإخلاص ،
إن من أشد المفسدات ، و مانعات القبول ، و مبعدات التوفيق عدم الإخلاص
و الإشراك في النية و المقاصد ، و في الحديث :
(( إياكم و شرك السرائر ، يقوم رجل فيصلي ، فيزين صلاته جاهدًا لما يرى من نظر الرجل إليه ، فذلك شرك السرائر ))
رواه ابن خزيمة في صحيحه .
و إذا كان الرياء هو العمل لأجل الناس ، فإن هناك نوعًا خطيرًا
ذلكم هو العمل لأجل النفس و حظوظها ، لا لأجل الله و إبتغاء مرضاته
و الأمل فيما عنده ، إن من عدم التوفيق أن يعمل العبد ليرضي نفسه ،
و يبتغي حُظوظ دنياه ، يصوم و يتصدق و يتزهد و يتورع لما يرجو من الدنيا و غاياتها .
الإخلاص ـ حفظك الله ـ أن يستوي حال الظاهر و الباطن ،
عبدُ الله المخلص يعمل عمله لله سواء رآه الناس أم لم يروه ،
و سواء كان له حظ من حظوظ الدنيا أو لم يكن ، فليس له توجهٌ إلا لله ،
و ليس له طمع إلا في جنة الله ، و ليس له غاية إلا في رضوان الله ،
ليس له هرب إلى من سخط الله ، و ليس له حذر إلا من عذاب الله .
المخلص لن يزيد عمله لأجل الحظوظ العاجلة ، و لا ينقص بنقصها ،
إن كان في الساقة كان في الساقة ، و إن كان في الحراسة كان في الحراسة ،
إذا حضر لم يعرف ، و إذا غاب لم يُفقد .
أيها المسلمون : إن موضوع النيات و معالجاتها موضوعٌ خطير دقيق ،
هو أساس القبول و الرد ، و هو سبيل الفوز و الخسران ،
يقول سفيان الثوري رحمه الله :
" ما عالجت شيئًا أشدَّ من نيتي ، فإنها تنقلب عليَّ " ،
فالله الله في أنفسكم عباد الله ،
إن المطلوب في الأعمال الصالحة رعاية القلوب و إخلاصها .
الإخلاص ـ بإذن الله ـ يورث القوة في الحق و الصبر و المثابرة و المداومة ،
بالإخلاص يتضاعف فضل الله ، و يعظم أجره و ثوابه ،
بل الإخلاص يجعل المباحات طاعات و عبادات و قربات ،
و من ثمَّ تكون حياة العبد كلها لله ،
قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ
[ الأنعام : 162 ، 163 ] .
أيها الإخوة : و يقترن بالإخلاص تحري الطيبات ، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا ،
و الطيب ما طيَّبه الشرع ، لا ما طيَّبه الذوق ،
و الطيب توصف به الأعمال و الأقوال و الاعتقادات ،
قُل لاَّ يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
[ المائدة : 100] .
و من صفات نبينا محمد أنه يحلُّ الطيبات ، و يحرم الخبائث ،
و المؤمن طيبٌ كله ؛ قلبه و لسانه و جسده ، فقلبه طيب لما وقر فيه من الإيمان ،
و لسانه طيب لما يقوم به من الذكر، و جسده طيب لما تقوم به الجوارح
من كل عمل صالح . و من أعظم ما يحصل به طيب العمل طيب المطعم ،
و حل المأكل ، فالعمل الصالح لا يزكو إلا بأكل الحلال ،
و قد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين ، فقال آمرًا رسله عليهم السلام :
يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً
[ المؤمنون: 51 ] ،
و قال آمرًا عباده المؤمنين :
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
[ البقرة : 172 ] .
يقول بعض السلف :
" لو قمت مقام السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك " ،
و كل لحم نبت بالحرام فالنار أولى به .
و لا تنس ـ رعاك الله ـ و أنت تتحرى الأعمال الصالحة ، لا تنس المداومة عليها ،
و في الخبر الصحيح من حديث
أمنا أم المؤمنين السيدة عائشة
زوج رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
و رضي الله عنها و عن أبيها أنها قالت :
سئل رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال :
(( أدومها و إن قل )) ،
و قد كان عمله عليه الصلاة و السلام ديمَة ،
و يقترن بالمداومة تحري القصد و الإعتدال و التوسط ،
و مراعاة الحقوق و الواجبات ، و الموازنة بين المسؤوليات ، فإن لنفسك عليك حقًا ،
و لزوجك عليك حقًا ، فأعط كل ذي حق حقه ،
فلا ينبغي للعبد أن يجتهد في جانب ليفرط في جوانب ،
(( فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة،
وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا)) ،
و ((إن الله لا يمل حتى تملوا، واكلفوا من العمل ما تطيقون)) .
أيها الإخوة : هذا هو العمل الصالح ، و هذه هي مقتضياته و متطلباته ،
و مع هذا فإن العبد محل التقصير، و محط الخطايا ، و كل ابن آدم خطاء ،
و خير الخطائين التوابون ، الموفَّقون للعمل الصالح ذوو القلوب المخلصة ،
و التوحيد الخالص ، و هِمَمٍ جادة ، موفون بتكاليف الشرع ،
بعيدون عن الغفلة و الأثرة ، يسلكون مسالك الإيثار ، يرجون رحمة الله ،
وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا
[ الإسراء : 57 ] .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِ رَبَّهِمْ يُؤْمِنُونَ
وَٱلَّذِينَ هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ أُوْلَـئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ
[ المؤمنون: 57 ـ 61 ] .
نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ، و بهدي محمد ، و أقول قولي هذا ،
و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
|