قصة الكناني نؤمن ونوقن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى ببر الأم ثلاث مرات
غير أن فقهاء الشافعية قالوا:
إن البر بالأب مثل البر بالأم مناصفة.
فلا يذهب الرأي ببعض الأبناء أن يبخسوا آباءهم بحجة البر بأمهاتهم،
وفي كل خير.. وفي كل بر أجر، وعلى نياتكم ترزقون،
والبر بنوعيه عبادة كما أن العقوق من الكبائر.
ومن القصص التي طالعتها فهزت مشاعري
ولا مست شغاف قلبي قصة كلاب بن أمية الكناني.
فقد هاجر كلاب بن أمية إلى المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه، فأقام بها مدة
ثم لقي ذات يوم بعض الصحابة فسألهم أي الأعمال أفضل في الإسلام
فقالوا: الجهاد،فذهب كلاب إلى عمر يريد الغزو، فأرسله عمر رضي الله عنه
إلى جيش مع بلاد الفرس فلما علم أبوه بذلك تعلق به وقال له: لا تدع أباك
وأمك الشيخين الضعيفين، ربياك صغيرا، حتى إذا احتاجا إليك تركتهما؟
ثم خرج غازيا بعد أن أرضى أباه، فأبطأ في الغزو وتأخر. وكان أبوه وأمه
يجلسان يوما ما في ظل نخل لهم وإذا حمامة تدعو فرخها الصغير وتلهو معه
وتروح وتجيء، فرآها الشيخ فبكى فرأته العجوز يبكي فبكت ثم أصاب
فلما تأخر ولده كثيرا ذهب إلى عمر رضي الله عنه ودخل عليه المسجد
وقال: والله يا ابن الخطاب لئن لم ترد علي ولدي لأدعون عليك في عرفات
فكتب عمر رضي الله عنه برد ولده إليه، فلما قدم ودخل عليه
كنت أُفضله وأكفيه أمره، وكنت إن أردت أن أحلب له لبنا أجيء إلى أغزر
ناقة في أبله فأريحها وأتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها ـ أي ضروعها ـ
حتى تبرد ثم أحلب له فأسقيه،
فبعث عمر إلى أبيه فجاء الرجل فدخل على عمر رضي الله عنه وهو
يتهاوى وقد ضعف بصره وانحنى ظهره
وقال له «عمر» رضي الله عنه:
قال: كما ترى يا أمير المؤمنين
ما أحب الأشياء إليك اليوم
قال: ما أحب اليوم شيئا، ما أفرح بخير ولا يسوءني شر،
قال: بلى، أحب أن كلابا ولدي عندي فأشمه شمة وأضمه ضمة
ستبلغ ما تحب إن شاء الله.
ثم أمر كلابا أن يخرج ويحلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه فقام
ففعل ذلك ثم جاء وناول الإناء إلى عمر فأخذه رضي الله عنه وقال أشرب
يا أبا كلاب فلما تناول الإناء ليشرب وقربه من فمه قال: والله يا أمير المؤمنين
فبكى عمر رضي الله عنه وقال:
هذا كلاب عندك وقد جئناك به،
فوثب إلى ابنه وهو يضمه ويعانقه وهو يبكي فجعل عمر رضي الله عنه
يا بني الزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا ثم اعتنِ بشأن نفسك بعدهما.
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا }