يصلي مقدار ورده كل ليلة فلا يرى الصبح فيستنكر ذلك ,
ثم يقول لعلي قد خففت قراءتي إذ قمت قبل حيني فينظر إلى السماء
فإذا هو بالليل كما هو والنجوم قد استدارات مع السماء ,
فصارت مكانها من أول الليل ثم يدخل فيأخذ مضجعه فلا يأخذه النوم
فيقوم فيصلي الثانية مقدار ورده كل ليلة فلا يرى الصبح
فيزيده ذلك إنكارا , ثم يخرج فينظر إلى النجوم ,
فإذا هي قد صارت كهيئتها من الليل ثم يدخل فيأخذ مضجعه الثالثة
فلا يأخذه النوم , ثم يقوم أيضا فيصلي مقدار ورده فلا يرى الصبح ,
فيخرج وينظر إلى السماء فيخنقهم البكاء فينادي بعضهم بعضا ,
فيجتمع المتهجدون في كل مسجد بحضرتهم ,
وهم قبل ذلك كانوا يتواصلون ويتعارفون فلا يزالون في غفلتهم ,
فإذا تم للشمس مقدار ثلاث ليال وللقمر مقدار ليلتين ,
أرسل الله تعالى إليهما جبريل فقال لهما :
إن الرب يأمركما أن ترجعا إلى المغرب لتطلعا منه ,
فإنه لا ضوء لكما عندنا اليوم ولا نور ,
فيبكيان عند ذلك وجلا من الله تعالى ,
وتبكي الملائكة لبكائهما مع ما يخالطهما من الخوف ,
فيرجعان إلى المغرب فيطلعان من المغرب , فبينما الناس كذلك ,
إذ نادى مناد ألا إن الشمس والقمر قد طلعا من المغرب ,
فينظر الناس إليهما فإذا هما أسودان كهيئتهما في حال كسوفهما ,
قبل ذلك لا ضوء للشمس ولا نور للقمر .
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ }
{ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ }
قال : فيرتفعان ينازع كل واحد منهما صاحبه
حتى يبلغا سهوة السماء وهو منصفهما ,
فيجيئهما جبريل عليه السلام فيأخذ بقرنيهما فيردهما إلى المغرب آفلا
ويغربهما في تلك العيون , ولكن يغربهما في باب التوبة ،
فقال عمر بن الخطاب: بأبي وأمي يا رسول الله وما باب التوبة ؟
قال : يا عمر خلق الله تعالى خلف المغرب مصراعين من ذهب
مكللين بالجوهر للتوبة فلا يتوب أحد من ولد آدم توبة نصوحا
إلا ولجت توبته في ذلك الباب , ثم ترفع إلى الله عز وجل ،
فقال حذيفة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما التوبة النصوح ؟
قال : الندم على ما فات منه فلا يعود إليه
كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، قال حذيفة : يا رسول الله
كيف بالشمس والقمر بعد ذلك وكيف بالناس بعد ذلك ؟
قال : يا حذيفة أما الشمس والقمر فإنهما يعودان ,
فإذا أغربهما الله في ذلك الباب رد المصراعين فالتأم ما بينهما ,
كأن لم يكن فيما بينهما صدع قط , فلا ينفع نفسا بعد ذلك إيمانها ,
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ,
ولا تقبل من عبد حسنة إلا من كان قبل محسنا فإنه يجزى له وعليه ,
فتطلع الشمس عليهم وتغرب كما كانت قبل ،
فأما الناس فإنهم بعد ما يرون من فظيع تلك الآية وعظمها ,
يلحون على الدنيا حتى يغرسوا فيها الأشجار ويشققوا فيها الأنهار
ويبنوا فوق ظهورها البنيان ، وأما الدنيا فلو أنتج رجل مهرا ,
لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها ,
إلى أن تقوم الساعة والذي نفس محمد بيده
إن الأيام والليالي أسرع من مر السحاب لا يدري الرجل متى يمسي؟
ومتى يصبح ؟ ثم تقوم الساعة فوالذي نفسي بيده لتأتينهم ,
وإن الرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فما يذوقه ولا يطعمه ,
وإن الرجل في فيه اللقمة فما يسيغها .
{ وَلَوْلَا أَجَل مُسَمًّى
لَجَاءَهُمْ الْعَذَاب وَلَيَأْتِيَنهمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }
قال : وأما الشمس والقمر فإنهما يعودان إلى ما خلقهما الله منه
{ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ }
فيعيدهما إلى ما خلقهما منه ، قال حذيفة : بأبي أنت وأمي
فكيف قيام الساعة وكيف الناس في تلك الحال ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا حذيفة بينما الناس في أسواقهم أسر ما كانوا بدنياهم
فبين كيال يكيل ووزان يزن وبين مشتر وبائع
إذ أتتهم الصيحة فخرت الملائكة صرعى موتى على خدودهم ،
وخر الآدميون صرعى موتى على خدودهم ،
{ مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ {49}
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }