{ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
النُّكوصُ عن الاستِجابة يُسبِّبُ الاختلاف، واضطرابَ الأحوال،
واختِلال الميزان، وشُيُوع الفساد، وهو المُعبَّرُ عنه بالفتنة.
عن زينَب بنت جحشٍ - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
خرجَ يومًا فزِعًا مُحمرًّا وجهُه يقول:
( لا إله إلا الله، ويلُ للعرب من شرٍّ قد اقتَرَب،
فُتِح اليوم من رَدم يأجوج ومأجوج مثلُ هذا –
وحلَّقَ بإصبَعِه الإبهامِ والتي تلِيْها
قالت: فقلتُ: يا رسول الله ! أنهلِكُ وفينا الصالِحون؟
قال: نعم، إذا كثُر الخبَث )
الأمةُ التي تستجيبُ لوحيِ ربِّها، وتُسلِمُ وجهَها لبارِئها يحسُنُ حالُها،
وتتغيَّرُ حياتُها صلاحًا وإصلاحًا، ويتحقَّقُ لها الأمنُ والحياةُ الطيبة،
والوحدة الصادقة بين المؤمنين، وتتحوَّلُ العداوةُ والبغضاءُ
إلى أن يكونوا بنعمة الله إخوانًا،
كما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثلُ الجسَد
إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَدِ بالسَّهَر والحُمَّى )
ويستجيبُ الله للعباد إذا استجابُوا له - سبحانه -،
وهو يُقدِّرُ الاستِجابةَ في وقتها بتقديرِه الحكيم،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( يُستجابُ لأحدِكم ما لم يعجَل فيقول: قد دعوتُ فلم يُستجَبْ لي! )
يستجيبُ الله لمن استجابَ له، قال تعالى:
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ }
ولما حصلَ الخللُ في الاستِجابةِ لله ورسولِه مُنِعوا إجابة الله، ووُكِلوا إلى أنفسهم،
ومن وكلَه الله إلى نفسِه خسِرَ وضعُفَ وذَلَّ.
وفي سُرعة الاستجابة سطَّر الأوائِلُ مواقِفَ خالِدَة يتلقَّى أحدُهم الأمرَ أو النهي،
فيستجيبُ فورًا دون تردُّدٍ، يُحوِّلُه إلى واقعٍ ملموسٍ وفعلٍ محسوسٍ.
وهذا يُنبِئُ عن عُمق إيمانٍ وصدِقِ إذعانٍ.
يقول أنسٌ - رضي الله عنه -:
( بينما أنا أُديرُ الكأسَ على أبي طلحَة وفلان، فسمعتُ مُنادِيَ يُنادِي:
ألا إن الخمرَ قد حُرِّمَت.
قال: فما دخلَ علينا ولا خرجَ منا خارِجٌ حتى أهرَقْنا الشرابَ،
وكسَرْنا القِلال، وتوضَّأَ بعضُنا واغتسلَ بعضُنا، وأصَبْنا من طِيبِ أمِّ سُلَيم،
ثم خرَجنا إلى المسجِد فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ
رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
وتقول عائشةُ - رضي الله عنها -:
[ إن لنساءِ قُريشٍ لفَضلاً، وإني - والله - ما رأيتُ أفضلَ من نساءِ الأنصار،
أشدَّ تصديقًا لكتاب الله، ولقد أُنزِلَت:
{ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }
فنقلَبَ رجالُهنَّ إليهنَّ يتلُون ما أنزلَ الله إليهنَّ فيها،
ويتلُو الرجلُ على امرأتِه وابنتِه وأختِه وعلى كل ذي قرابَته،
فما منهنَّ امرأةٌ إلا قامَت إلى مِرطِها المُرحَّل،
فاعتجَرَت بها تصديقًا وإيمانًا بما أنزلَ الله في كتابِه،
فأصبَحن وراءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
مُعتجِراتٍ كأنَّ على رُؤوسهنَّ الغِربان ]
ورأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من ذهبٍ في يدِ رجُلٍ،
( يعمِدُ أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلُها في يدِه فقيل للرجُّلِ
بعدما ذهبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: خُذ خاتمكَ وانتفِع به.
فقال: لا والله، لا آخُذُه أبدًا وقد طرحَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم )
الحجُّ شُرِع استجابةً لله، جاء الحُجَّاج من كل فجٍّ عميقٍ استِجابةً لله ورسولِه،
والاستجابةُ في الحجِّ في كل منسَكٍ وموقِفٍ،
هؤلاء وفدُ الله ترَكُوا الأهلَ والمالَ والأوطانَ.
دعاهُم ربُّهم للطوافِ بالبَيتِ فاستَجابُوا، ودعاهُم للحَجَر الأسوَد وتقبيلِه أو الإشارَة إليها
فاستَجابُوا، مع علمِهم أنه حجرٌ لا يضرُّ ولا ينفع.
دعاهم للخُروج لمِنَى، والمبيت بها، وأعلَنوا الاستِسلام لله وحُكمِه،
لا يقصِدُون بذلك رِياءً ولا سُمعةً، الإخلاصُ شِعارُهم، والمُتابَعةُ دِثارُهم،
هي رمزُ الاستِجابة الكامِلة؛ أي: أفعلُ هذا تلبيةً لدعوتك، واستِجابةً لأمرك،
واقتِداءً بنبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - القائل:
( الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.