وقيل: العَصْفُ: السرعةُ. وعصفت الريح تعصِف عَصْفًا. أي: اشتدَّ هبوبُها.
وهي ريحٌ عاصِفٌ وعاصِفةٌ. أي: شديدة الهبوب.
وعصفت بهم الريح، تشبيهًا بذلك. أي: ذهبت بهم، وأهلكتهم.
ومثل ذلك قولهم: الحرب تعصف بالقوم.
{ فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً }
يعني الرياح الشديدة القاصفة للشجر وغيره.
فتأمل هذه الألفاظ الثلاثة : ( الرماد، والريح المشتدَّة، واليوم العاصف )
التي تتكوَّن منها عناصر الصورة في المشبه به،
تجد كل لفظ منها يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدى,
لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها, ولا الانتفاع به.
يضاف إلى ذلك ما ينطوي عليه لفظ الرماد من معنى الاحتراق.
{ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ }
تبيينٌ لوجه الشبه، واستحضار للكافرين جميعًا؛ ليشهدوا هذا الموقف،
الذي يتعرَّون فيه من كل شيء. فإذا ما قدموا على ربهم يوم القيامة،
لا يقدرون على الانتفاع بشيء
مما كسبوا في الدنيا من أعمالهم عند حاجتهم إليه.
أي: لا يجدون له أثرًا من ثواب، أو تخفيف عذاب؛
كما لا يقدر أحد على الانتفاع بشيء من ذلك الرماد،
الذي اشتدت به الريح في اليوم العاصف، وكان جزاؤهم النار؛
كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله:
{ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا
وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
[ هود : 16 ]
التعميم . أي: لا يقدرون في الدنيا والآخرة على شيء مما كسبوا.
ويؤيده ما ورد في الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها-
( يا رسول الله إن ابن جدعان في الجاهلية يصل الرحم،
ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعة؟
قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين )
{ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا }
{ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا }
فقدَّم { عَلَى شَيْءٍ } في الأول، وأخرَّه في الثاني، لأهمية كل منهما في آيته؛
وذلك ظاهر لمن له أدنى بصيرة .
فعبَّر عن العمل بـالكسب؛ لأن كسب الرجل هو عمله، وعمله هو كسبه.
روي أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:
( أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده ).
والكسب- كما قال الراغب في مفردات القرآن- هو ما يتحرَّاه الإنسان،
ممَّا فيه اجتلاب نفع، وتحصيل حظٍّ؛ كاكتساب المال.
وقد يستعمل فيما يظنُّ الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم استُجلِب به مضرَّة .
{ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ }
فهو إشارة إلى ضلالهم. أي: ما دل عليه التمثيل دلالة واضحة، من ضلالهم،
مع حسبانهم أنهم على شيء، هو الضلال البعيد عن طريق الحق والصواب
وهو تعقيب يتفق ظله مع ظل الرماد المتطاير في يوم عاصف إلى بعيد ؛
حيث يستحيل العثور على شيء منه !!
و في وصف الضلال بالبعيد إشارة إلى كفرهم ؛
وهو كقوله تعالى في الآية الثانية والثالثة من سورة إبراهيم :
{ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ
وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ }
والضلال هو العدول عن الطريق المستقيم، والمنهج القويم؛
عمدًا كان، أو سهوًا. قليلاً كان، أو كثيرًا، و يضادُّه الهدى .
فإذا كان عن عمد وقصد- وإن كان قليلاً- فهو كفر، وحينئذ يوصف بالبعيد..
تأمل ذلك في القرآن، تجده على ما ذكرنا، إن شاء الله !