فإن قيل : هذه دعوى منكم ،
وذلك أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم عجز الجن عن [ الإتيان ] بمثله ،
وقد يجوز أن يكونوا قادرين على الإتيان بمثله ، وإن كان عاجزين ،
كما أنهم قد يقدرون على أمور لطيفة ، وأسباب غامضة دقيقة ،
لا نقدر نحن عليها ، ولا سبيل لنا للطفها إليها ، وإذا كانت كذلك ،
لم يكن إلى علم ما ادعيتم سبيل .
قيل : قد يمكن أن نعرف ذلك بخبر الله عز وجل ،
وقد يمكن أن يقال إن هذا الكلام
خرج على ما كانت العرب تعتقده من مخاطبة الجن ،
وما يروون لهم من الشعر ، ويحكون عنهم من الكلام ،
وقد علمنا أن ذلك محفوظ عندهم منقول عنهم .
والقدر الذي نقلوه [ من ذلك ] قد تأملناه ،
فهو في الفصاحة لا يتجاوز حد فصاحة الإنس ، ولعله يقصر عنها ،
ولا يمنع أن يسمع الناس كلامهم ،
ويقع بينهم وبينهم محاورات في عهد الأنبياء ، صلوات الله عليهم ،
وذلك الزمان مما لا يمتنع فيه وجود ما ينقض العادات .
على أن القوم إلى الآن يعتقدون مخاطبة الغيلان ،
ولهم أشعار محفوظة مدونة في دواوينهم .
وأدهــم قـــد جُـبــتجِلـبـابـه كما اجتابت الكاعبُ الخيعلا
إلــى أن حــدا الصـبـحأثـنــاءه مـــزّق جـلـبـابـه الأ لــيــلا
عـلــى شـيــم نـــار تـنـوّرتـهـا فـبـتُّ لـهـا مـدبـراً مـقـبـلاً فأصبحـت والـغـول لــي جــارة فـيـا جـارتـا أنـــت مـــا أهـــولا
وطالبـتـهـا بضـعـهـا ، فـالـتـوت بـوجـه تـهـوّل و اسـتـغـولا
فمـن سـال أيـن ثـوتجارتـي فـــإن لــهــا بـالـلــوي مــنــزلا
وكنت إذا مـا هممـت اعتزمـت وأخــــر إذا قــلــت أن أفــعـــلا
عشوا ناري فقلت منونأنتم فقالوا الجنُّ قلت عموا ظلاما
فقت إلى الطعام فقال منهم زعيم يحسد الإنـس الطعامـا
ويذكرون لامرئ القيس قصيدة مع عمر والجني ، وأشعاراً لهما، كرهنا نقلها
فلله درُّ الـغـول أيرفـيـقـة لصاحـب قفـر خائـف متقفِّـر
أرنَّت بلحن بعد لحن وأوقدت حوالـيَّ نيرانـاً تلـوحوتـزهـر
قد أعسف النازح المجهولمعسفـه في ظل أخضر يدعو هامة البوم
للجـن باللـيـل فــي حافاتـهـازجــل كما تنـاوح يـوم الريـح عيشـوم
دويّــــة ودجــــى لــيـــلكـأنـهـمــا يــم تـراطـن فــي حـافـاتـه الـــروم
و كم عرَّست بعد السرى مع معرَّس به من كلام الجن أصوات سامر[12]
ورملٍ عزيف الجن في عقباته هزيزٌ كتضراب المُغنين بالطبل[13]
وإذا كان القوم يعتقدون كلام الجن ومخاطباتهم ، ويحكون عنهم ،
وذلك القدر المحكي لا يزيد أمره على فصاحة العرب ،
صح ما وصف عندهم من عجزهم عنه كعجز الإنس .
أن الله تعالى حكي عن الجن ما تفاوضوا فيه من القرآن
{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًامِنَالْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواأَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ }
إلى آخر ما حكي عنهم فيما يتلوه .