يقول الشوكانيُّ - رحمه الله -:
[ وقدَّم الإراحةَ على التسريح؛ لأن منظرها عند الإراحة أجمل ؛
إذ تكون مُمتلئَة الجسم حافِلَة الضَّرْع. وفي قوله:
{ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
توسيعٌ في النظر والنظرة للتصوُّرات والمدارِك لقبول كل جديدٍ في شُؤون الحياة
والأحياء فيما أحلَّه الشرعُ ورشَّد مسلَكَه، في استِقبالٍ مُتفتِّحٍ لعجائب الخلق
والعلم والحياة، والمُستحسَنات، وأدوات الجمال، وألوان المُبهِجات
فيما يخلُقُ ما لا تعلمون مما يختلفُ باختلاف الزمان والأحوال والبيئات ]
الله أكبر والعزَّةُ لرسوله وللمؤمنين، والله أكبر
والصلاة والسلام على نبيِّنا محمدٍ خاتم النبيين وسيِّد المرسلين.
الجمالُ هو القدرة على تذوُّق حلاوة الأشياء، وعُذوبة الأجسام برهافَة الحسِّ،
وصفاء المنظر، ودقَّة التمييز، والتجمُّل –
يا من تُحبُّون التجمُّل أيها الإخوة تقبَّل الله منا ومنكم - التجمُّل تحسينُ المظهر
بما يمنَحُ الوضاءَة والحُسن في المظهر والمنظر مُشاهدةً وذوقًا.
[ إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال، يتناولُ هذا جمالَ الثياب المسؤولَ عنه في الحديث،
ويدخلُ فيه بطريق العُموم الجمالُ في كل شيء ]
الله أكبر نصرَ عبدَه، وأعزَّ جُندَه، وهزمَ الأحزابَ وحده.
أما اهتمامُ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم –
بالجمال والزينة قولاً وفعلاً وتوجيهًا، فهذا ما امتلأت به سيرتُه - عليه الصلاة والسلام
ودلَّ عليه كتابُ الله وسُنَّةُ المُصطفى محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
فقد أمرَه ربُّه في أوائل ما تنزَّل عليه :
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ }
فامتثلَ لأمر ربِّه، فكان على أكمل الصفات خَلقًا وخُلُقًا.
[ فهو - أي: المُصطفى - صلى الله عليه وسلم - فهو كلُّ الكمال،
وجُلُّ الجلال، وجُنَّةُ الجمال، عليه أفضل الصلاة والسلام ]
وتأمَّلوا في وصف الصحابة - رضوان الله عليهم - للجمال المُحمدي
والبهاء النبوي والحُسن المُصطفوي، يقول هندُ بن أبي هالَة:
[ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخمًا مُفخَّمًا يتلألأُ وجهُه
تلألأَ القمر ليلة البدر ]
[ رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أُضحيان
فجعلتُ أنظرُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى القمر وعليه حُلَّةٌ حمراء،
فإذا هو عندي أحسنُ من القمر ]
وقال أنسٌ - رضي الله عنه -:
[ ما شممتُ عنبرًا قطُّ ولا مسكًا ولا شيئًا أطيبَ من رِيح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
ولا مسستُ شيئًا قطُّ ديباجًا ولا حريرًا أليَنَ مسًّا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ]
[ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ دهن رأسه وتسريح لحيته ]
وروى مكحولٌ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:
( كان نفرٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون على الباب،
فخرج يُريدُهم، وفي الدار كُوَّةٌ فيها ماء، فجعلَ ينظرُ في الماء ويُسوِّي لحيتَه وشعرَه.
فقلت: يا رسول الله ! وأنت تفعلُ هذا؟
قال: نعم، إذا خرجَ الرجلُ إلى إخوانه فليُهيِّئ نفسَه؛ فإن الله جميلٌ يحبُّ الجمال )
رواه الخطيب البغدادي في "الجامع"،
والخرائطي في "أعمال القلوب"، والقرطبي في "التفسير".
وإذا سمِع هذا بعضُ من لا فِقهَ عنده قال: ن
حنُ مشغولون بهموم الأمة ! وهل هو أكثرُ شغلاً وهمًّا
من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!
بل كان - عليه الصلاة والسلام - يحثُّ أصحابَه ويتعهَّدهم بتوجيهاته
ونُصحِه على أخْذ الزينة، حتى يكونوا شامةً في الناس.
أخرج أحمد عن سهل بن الحنظليَّة - رضي الله عنه – قال :
( كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
فقال: إنكم قادِمون على إخوانِكم، فأصلِحوا رِحالَكم، وأصلِحوا لباسَكم،
حتى تكونوا في الناس كأنَّكم شامةً ؛ فإن الله لا يحبُّ الفُحشَ ولا التفحُّش )
وكان يتأذَّى من إهمال حُسن المنظر والزِّينة، دخل عليه رجلٌ ثائرَ الرأس واللحية،
فأشار إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بيدِه أن اخرُج - كأنَّه يعني:
إصلاحَ شعره -، ففعل الرجلُ ثم رجع، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدُكم ثائرَ الرأس كأنَّه شيطان؟ )
ورأى رجلاً شعثًا قد تفرَّق شعرُه، فقال:
( أما كان هذا يجِدُ ما يُسكِّنُ به شعرَه ؟! )
ورأى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا الأحوص الجُشميّ وعليه أطمارٌ –
يعني: ثيابًا بالِية -، فقال:
قلت: من كل ما آتى الله: من الإبل والشاء،
قال: فلتُرَ نعمتُه وكرامتُه عليك )