عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-11-2013, 01:41 AM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

أيها المسلمون :
فطرَ الله النفوسَ على الإحساس بالجمال وحبِّه والميل إليه،
وحبِّ الزينة والتجمُّل بها والأُنس بها، والتعلُّق بكل ما لطَفَ وأبهجَ من الألوان المتناسبة
والمناظر المتناسقة، زينةٌ وتجمُّلٌ في النفوس، وزينةٌ وتجمُّلٌ من أجل الآخرين.
الإنسان جسمٌ وروحٌ؛ جسمٌ حيٌّ يأكل ويشرب، ويعمل ويكدَح، وينام ويتعب.
وروحٌ تتذوَّق المعاني والجمال، والزينةَ والبهجة.
الجمال والزينة تستهوِي النفوس، وتقَرُّ بها الأعيُن، وتلذُّ بها الأذواق،
وقد جعل الله في الجمال والزينة الرضا والسعادة والبهجة،
والجميل هو الذي يفيضُ حيويَّةً ويتلألأ بهجةً حيثما حلَّ،
ومن مُنِح الاستمتاعَ بالجمال مُنِح السماحة والابتسامة،
والهدوء والنظام، والإبداع والتفكير.
حتى قالوا:
[ كلما رُزِق العبدُ نُبلاً ورفعةً ازدادَ جمالُه وازدادَ إحساسُه بالجمال وتمتُّعُه بالزينة ]
الله أكبر وهو المُتوحِّدُ بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا،
ولا إله إلا الله وهو المُتفرِّدُ بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا.
معاشر الأحبة:
حبُّ الجمال والزينة مركوزٌ في الفِطَر، وقد اجتمع على ذلك الطبعُ والشرعُ،
والجمالُ والزينة مقصدٌ من مقاصِد الشرع يمتنُّ بها اللهُ - جلاَّ جلالُه - على عباده.
فليست النعمةُ والمنَّةُ من الله اللطيف الجميل قاصرةً على تلبية الضروريَّات
والحاجيَّات من طعامٍ وشرابٍ ومركبٍ وملبسٍ؛ بل جعلَ بلُطفِه الزينةَ
والجمالَ قرينةً للمنفعة، فقال - عزَّ شأنُه -:
{ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
[ النحل: 5- 8 ]
المنفعةُ في الأكل المُشبِع، واللباس الكاسِي، والغطاء الدافِئ، والمركب المُوصِل.
والمتعةُ بالجمال المُبهِج، والزينة المُفرِحة من أشواق الجمال، وفرحِ الوِجدان،
ومباهِج الشُّعور. وكلُّ ذلك محلُّ النعمة والمنَّة، فلله الحمدُ والشكر.
كتابُ ربِّنا جاء بالجمال، وحكَى الجمال، ودعا إلى الجمال، وامتلأ بمعاني الجمال،
اقرأوا وتأمَّلوا:
{ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ }
[ ق: 6- 10 ].
ويقول - جل وعلا -:
{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ
فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ }
[ الملك: 3- 5 ]
ويقول تعالى:
{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ }
[ الحجر: 16 ]
ويقول - عزَّ شأنه -:
{ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ
مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ }
[ النمل: 60 ]
ويقول - جلَّ في عُلاه -:
{ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
[ غافر: 64 ].
يقول المناويُّ - رحمه الله -:
[ إن الله جميلٌ أي: له الجمال المُطلق، جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال.
وامتنَّ بكل جميلٍ، وحثَّ على النظر في كل جميل؛ فالعينُ تُدرِك المنظر الجميل،
والأُذُن تسمعُ الصوتَ الجميل، والأنف يُدرِك الرائحةَ الطيبة،
واليدُ تتحسَّسُ الملمسَ الناعم، واللسان يذوقُ الطعمَ اللذيذ.
ناهِيكم بما يستثيرُ الإنسان من وِجدان ومشاعِر ومباهِج ]
ويقول الإمامُ ابن القيم - رحمه الله -:
[ ولمحبَّته - سبحانه - للجمال أنزلَ على عباده لباسًا وزينةً تُجمِّلُ ظواهرَهم
وتقوَى تُجمِّل بواطِنَهم، فقال - عزَّ شأنُه -:
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا
وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }
[الأعراف: 26]
وقال في أهل الجنة:
{ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا }
[الإنسان: 11، 12]
فجمَّل ظواهِرَهم بالنظر، وبواطِنَهم بالسرور، وأبدانَهم بالحرير ]
وحينما امتنَّ - عزَّ شأنُه - بما أخرجَ من النبات والثَّمَرات ذات الألوان المُختلِفات،
والقِنوان الدانيات، والزيتون والرمان والأعناب، قال - عزَّ شأنُه -:
{ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ }
[ الأنعام: 99 ]
إنه يشملُ النَّظَرين: نظرَ الاعتبار والاستِبصار، ونظرَ التمتُّع بالبهاء والجمال.
ومن لطيفِ ما أدركَه علماؤُنا وقوفُهم عند تقديم الرَّواح على الاستِرواح
في قوله - عزَّ شأنُه -:
{ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ }
[ النحل: 6 ].

رد مع اقتباس