قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها )
فانتدب الناس فخفف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنوا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً، وكان أبو سفيان
حين دنا من الحجاز يتجسس من لقي من الركبان تخوفاً على أموال
الناس حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه
لك ولعيرك فحذر عند ذلك.
فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشاً
فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه،
فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة.
فحدثني من لا أتهم عن عكرمة، عن ابن عباس، ويزيد بن رومان
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم إلى مكة بثلاث ليال
رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب
يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك
منها شر ومصيبة فاكتم عليّ ما أحدثك،
رأيت راكباً أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح،
ثم صرخ بأعلا صوته: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث،
فأرى الناس اجتمعوا إليه.
ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على
إلا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث.
ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة
فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت
من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منها فلقة.
والله إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها لا تذكريها لأحد،
فلقي الوليد بن عتبة - وكان له صديقاً - فذكرها له واستكتمه
إياها فذكرها الوليد لابنه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش في أنديتها.
فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل ابن هشام في رهط من قريش قعود
يتحدثون برؤيا عاتكة، فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل إذا فرغت
من طوافك فأقبل إلينا، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم
يا بني عبد المطلب، متى حدثت فيكم هذه النبية؟
قال: تلك الرؤيا التي رأت عاتكة.
يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم
قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه
قال: انفروا في ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقاً ما تقول
فسيكون، وإن تمض ثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً
أنكم أكذب أهل بيت في العرب.
فوالله ما كان مني إليه كبير شيء إلا أني جحدت ذلك وأنكرت
أن تكون رأت شيئاً. (ج/ص: 3 /315)
ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني،
أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم، ثم قد تناول النساء
وأنت تسمع، ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت ؟
قلت: قد والله فعلت ما كان مني إليه من كبير،
وأيم الله لأتعرضن له، فإذا عاد لأكفيكنه.
فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد
فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه.
فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض
ما قال فأقع به، وكان رجلاً خفيفاً حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر،
إذ خرج نحو باب المسجد يشتد،
قلت في نفسي: ماله - لعنه الله - أكل هذا فرق مني أن أشاتمه ؟!