عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-27-2013, 11:55 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

-سيّدنا عمربن الخطاب قال:
( لسْتُ خيرًا من أحدكم، ولكنَّني أثقلكم حِمْلاً، والله لو تعثَّرَتْ بغلةٌ
في العراق, لحاسبني الله عنها، لِمَ لمْ تفْسِح لها الطريق ياعمر؟!)
مرَّةً حرمَ نفسهُ أكلَ اللَّحْم مدّةً طويلة، فأصبحَ في بطنهِ صوتًا، فقال:
( قَرْقِرْ أيُّها البطْن أو لا تُقَرْقِرْ، فو الله لن تذوق اللَّحْم, حتى يشبعَ منه صِبْيَة المؤمنين )
مرَّةً دخلتْ عليه زوجتهُ فاطمة، فرأتْهُ يبكي في مُصلاَّه، قالتْ له:
ما لكَ تبكي؟
فقال : دعيني وشأني،
فلمَّا ألحَّتْ عليه قال:
( إنِّي وُلِّيتُ هذا الأمْر، فذكَرْتُ الفقير الجائع، والضَّعيف ، وذو الحاجة
والأسير، والمظلوم، وذا العِيال, فعَلِمْتُ أنَّ الله سيُحاسبني عن هؤلاء جميعًا
وأنّ حجيجَهـم دوني رسولُ الله، فلهذا أبكي، دعيني وشأني)- .
وكانت عليَّ مدْرعة صوف، ثمَّ طفقَ يسألني عن صُلَحاء أهل المدينة؛
رِجالهم ونسائهم واحدًا واحدًا، فما ترك منهم واحدًا إلا وسألني عنه
ثمّ سألني عن أشياء كان أمرَ بها في المدينة, حينما كان واليًا عليها
فأخبرتهُ عن كلّ ما سأل، ثمَّ تنهَّد وقال:
( يا زياد, ألا ترى إلى ما وقع فيه عمر؟ )
فقلتُ: إنِّي أرجو لك في ذلك خيرًا ‍وأجْرًا
فقال:
( هيهات )
ثمَّ بكى, حتى رثَيْتُ له وقلتُ: اِرْفِق بِنَفسك يا أمير المؤمنين
فإنِّي لأرجو لك خيرًا كثيرًا,
فقال:
(ما أبْعَدَ ما ترْجوهُ يا زياد!)

قال: لقد أصْبح في وُسعي أن أشْتِمَ ولا أُشْتَم، وأن أضْربَ ولا أُضرَب

وأن أوذِيَ الناس, ولا يؤذيني أحد، -مَن بإمكان مجابهة الملك؟

ومن بإمكانه أن يضربهُ؟ منْصب الملك أعلى منصب- ثمَّ بكى كرَّةً أخرى

حتى جعلتُ أرثي له، ولقد أقمْت عندهُ أيامًا ثلاثة, حتى قضى ما أرسلني

به مولاي، فلمَّا هممْتُ بالانصراف, زوَّدني بِكتابٍ إلى سيّدي يسألهُ فيه:

أن يبيعني منه، ثمَّ أخرج من تحت فراشه عشرين دينارًا

وقال:

(اسْتَعِن بهذا المال على دنياك، ولو كان لك حقّ في الفيء لأعْطَيناك)

فأبيْتُ أن آخذ المال منه

فقال:

( خُذْهُ فما هو من مال المسلمين, إنَّما هو من نفقتي )

فامْتنعْتُ عن أخذه، ولكنَّه ما زال بي حتى أخذتهُ منه, ومضَيْتُ، فلمَّا بلغْت المدينة

دفعْت بكتاب أمير المؤمنين إلى مولاي، ففضَّه، وقال:

( إنَّما سألني أن أبيعك له لِيُعْتِقَكَ, فلِمَ لا أكون أنا المُعْتِقُ لك؟ ثمّ أعْتقَهُ )

كيف يصل الإنسان بعمله إلى الجنة, وكيف تتحول العادات إلى عبادات ؟

أيها الأخوة الكرام

هذا نموذج, وهو أنَّه ما من عملٍ على وجه الأرض, إلا ويمكن أن يكون

طريقًا إلى الجنَّة، وهذه عظمة الإسلام

وقد قلتُ لكم سابقًا: الإنسان في عمله, ومهنته، وحرفته، ووظيفته

ومنصبهُ، كرسيّه في الجامعة، منصبه في الطب، تجارته، صناعته

العمل الذي ترتزق منه, إذا كان في الأصل مشروعًا، وسلكْت به الأساليب

المشروعة التي بيَّنها الله، أيْ لم تكذب، ولم تغشّ، ولم تُدلِّسْ، ولم تظلِم،

ولم تحْتكِر، ولم تستغلّ، إذا كان العمل في الأصل مشروعًا, وسلكْت به

الأساليب المشروعة ولم يشْغلْك عن فريضة أو واجبٍ أو طلب علْم

وأردْت به كفاية نفسك, وأهلك، وخدمة المسلمين, انقلب العمل إلى عبادة

فهذا الخليفة العظيم, جعل من هذا المنصب العالي, طريقًا إلى الجنَّة

وكلّ واحد يستطيع أن يجعل, ممَّا أقامه الله فيه، طريقاً إلى الجنة,

الله أقامك تاجرًا, أو موظَّفًا، مدرِّسًا، طبيبًا، بائعًا، أيّ عملٍ أقامك الله به,

بإمكانك أن تجعلهُ طريقًا إلى الجنَّة، والحياة محدودة وقصيرة

وهذه الحياة مزرعة الآخرة فانتَبِهوا أيّها الأخوة .

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أيها الأخوة

العادات إذا رافقتْها النوايا الطَّيِّبَة, انقلبَت إلى عبادات، فكلّنا نأكل

ونشرب، وننام، ونسكن في بيت، ولنا عمل، ونتنزَّه أحيانًا، يمكن أن تكون

نزهتك مع أولادك عبادة، إذا نوَيْتَ أن تُكْرمهم، وأن تمكِّن علاقتهم بك،

وأن تضعَ اللّقمة في فم زوجتك, هي لك صدقة، أن تجلس مع أهلك,

تؤْنسهم بِحَديثك, هو لك صدقة .

فالإنسان إذا عرف الله عز وجل, فكلّ ذلك محْسوم، كلّ شيءٌ يعمله

هو عملٌ صالح يرقى به، فالعِبرة أن تعرف الله تعالى أوَّلاً، وأن تعرف سرّ

وجودك ثانيًا، وغاية وجودك، الآن كلّ حركاتك وسكناتك أعمال صالحة

حتى الأعمال التي تظنّها عاديّة، أن تشتري بيتًا لابنك، أطْعم أهله

ودعا أخوانه إلى طعام، أخذ أهله إلى نزهة، ارتدى ثيابًا جديدة

بصفته مسلمًا، فالظهور بمظهر أنيق واجب، فالأعمال العاديّة بالنوايا الطَّيّبة

تنتقل إلى عبادات، والأعمال الجليلة تنقلب إلى عبادات .

خليفة المسلمين قال:

( الناس يتَّخذون الملك ليكون طريقًا إلى الدنيا، وأنا أتَّخذه طريقًا إلى الآخرة )

فيمكن لأيّ عملٍ على الإطلاق، طبعًا إذا كان مشروعًا، أن يكون لك طريقًا

إلى الجنَّة ، فعلى الإنسان مراجعة حساباته، ويجتهد في معرفة الله

ومعرفة كتابه ومنهجه، حتَّى تنقلب حياته إلى مغانمَ, لا إلى مغارم

فهناك مَن يموت

قال تعالى:

}فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً{

[ سورة الكهف الآية: 105]

العبرة أن تعرف ربّك، وأن تعرف منهجه، وبها تصير حركاتك كلّها

صالحة، عملك، وبيتك، وتربية أولادك، إطعامك لأهلك، نشاطك

الاجتماعي, كلّه في سجلاّت الأعمال الصالحة.

ما هي العبرة التي نستفيدها من قصة سيدنا عمر بن عبد العزيز ؟

أيها الأخوة

فهذا الدرس عن سيّدنا عمر بن عبد العزيز, تؤكِّد قصته:

أن المؤمن طموح لأعلى درجة، ولكن طموح المؤمن لا ينتهي عند الدنيا

بل ينتهي إلى الآخرة، فالدنيا مَطِيَّة، والحياة جميلة، لكن لمَن عرف الله

يقول أحد العارفين بالله :

( مساكين أهل الدنيا، جاؤوا إلى الدنيا، وغادروها، ولم يعرفوا أجْمل ما فيها ) .

يقول أحد العارفين بالله:

( ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري؛ إن حبسوني فحَبسي خَلوَة،

وإن أبعدوني فإبعادي سِياحة، وإن قتلوني فقتْلي شهادة )

وهذه دعوة لطيفة من الله عز وجل

قال تعالى:
}مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً{

[ سورة النحل الآية: 97]

أنت بِمَعرفة الله تجعل حياتك ذات معنى، لذلك حياة العظماء عظيمة جدًّا

هل تصدِّقون أنَّ الله سبحانه وتعالى أقْسمَ بماذا؟ بِعُمُر النبي,

قال تعالى:

} لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ{

[سورة الحجر الآية: 72]

خالق الكون يُقْسمُ بِعُمُر النبي، فالعُمْر قد يكون قصيرًا جدًّا، فالنبي عليه الصلاة والسلام

جاء إلى الدنيا، وعاش فيها ثلاث وستِّين سنة، قلبَ وجْه الأرض

وعمَّت الفضيلة في القارَّات الخمْس .

لذلك الإنسان إذا أراد أن يتْرك شيئًا في الحياة, الله عز وجل يعينه على ذلك

ويكرمه، فما علينا إلا أن نتحرَّك، والله معنا.

أنت تحرَّك؛ اُتْرك عملاً صالحًا، اُدْعُ إلى الله، دُلَّ الناس على الله

أتْقِن عملك، وانْصح المسلمين

أما الإنسان الذي لا عمل له، فلا شيء له عند الله تعالى

فحجْم الإنسان عند الله بِحَجم عمله الصالح

والحمد لله رب العالمين

لفضيلة الشيخ: محمد النابلسي

جزاه الله عنا كل خير


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


رد مع اقتباس