3- ما رواه زياد بن ميسرة المخزومي :
هذه الصـورة يرويها العابد الزاهد زِياد بن ميْسَرَة المخزومي بِالولاء
فيقول: (أرسلني موْلاي عبد الله بن عياش من المدينة إلى دمشق للِقاء
أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز في حوائج له، وكانت بيني وبين عمر
صِلَةٌ قديمة, ترجعُ إلى عهْد ولايتِهِ على المدينة، فدخلْت عليه, فإذا عندهُ
كاتبٌ يكتب له، فلمَّا صرْتُ في عتبة الحجرة, قلْتُ: السلام عليكم
( وعليكــم السلام ورحمة الله يا زِياد )
ثمَّ مضَيْتُ نحْوهُ خَجِلاً، لأنّي لم أُسلِّمْ عليه بإمرة المؤمنين، فلمَّا انْتَهيْتُ
إليه قلتُ: السَّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى وبركاته، عدَّلَ, فقال:
( يا زِياد إنَّني لمْ أُنْكرْ عليك السَّلام الأوّل فما الحاجة إلى الثاني؟ )
-المؤمن يتعلَّق بالحقائق، وبِجَوْهر الحياة .
المؤمن إذا أحْكم اتِّصالهُ بالله عز وجل يسْتغني عن ثناء الناس
وعن تعظيمهم، وعن تبْجيلهم، وعن توْقيرهم، لا يتعلَّق بهذا
إلا من أقصى قلبه من الاتّصال بالله عز وجل، وأساسًا أكبر نقطة ضَعْف
في الإنسان اسْتِجداء المديح، طبْعًا فقْرُهُ الداخلي يحملُهُ على اسْتِجداء
المديح لو أنَّه وصلَ إلى شيءٍ من الله عز وجل إلى السكينة التي أخبر
الله عنها، إلى الصَّلوات التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم
}وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ{
[ سورة التوبة الآية: 103 ]
لو أنَّ الإنسان أشْرقَت نفسهُ بِنُور الله عز وجل, لا يهتمّ بهذه الشَّكْليَّات
ولا بهذه العبارات، فهي عندهُ لا تقدِّم ولا تؤخِّر- .
( يا زِياد, إنَّني لمْ أُنْكرْ عليك السَّلام الأوّل، فما الحاجة إلى الثاني؟)
فكان كاتبُهُ إذْ ذاك يقرأُ عليه مظالمَ جاءتْهُ من البصرة مع البريد،
( اِجْلسْ يا زياد حتَّى نفْرغَ لك،)
-بالمناسبة الإنسان العظيم طبيعي، والإنسان الصغير إذا عظُمَ فجأةً يتكلَّف
فلو جلسْت مع النبي صلى الله عليه وسلَّم، دخل عليه أحدهم, فأصابتْه رعدة
فقال صلى الله عليه وسلم :
( إنما أنا ابن امرأة, كانت تأكل القديد بمكة )
كلَّما الْتقيْت مع العظماء رأيتهم قريبين منك حتى إنَّه قيل:
ما من أحدٍ خالَطَ النبي صلى الله عليه وسلَّم إلا ظنَّ أنَّهُ أقربُ الناس إليه
وهذه من عظمة النبي عليه الصلاة والسلام وقيل عنه:
ما رآهُ أحدٌ بديهةً إلا هابهُ، وما خالطهُ إلا أحبَّه، لكنَّك إذا خالطتَهُ
ترى نفسكَ قريبةً منه جدًّا، وتراه قريبًا منك، فالتَّكَلُّف ليس من صفات المؤمنين
لا تتكلَّف التَّصنّع والكهنوت هذا ليس من صفات المؤمنين ويتناقض
مع الفطرة السليمة، فأنت عظيمٌ جدًّا, إذا كنت طبيعيًّا- .
( اِجْلسْ يا زياد حتَّى نفْرغَ لك، فجلسْتُ على خشبة الباب )
والكاتب يقرأ عليه وعمر يتنفَّس الصُّعداء من الهمّ فلمَّا فرغَ كاتبهُ
من قراءة الرِّقاع التي معه وانطلقَ إلى شأنه قام عمر من مجلسِهِ
ومشى إليه حتى جلسَ بين يديّ عند الباب ووضعَ يديْه على ركبتي،
ثمَّ يقوم سيّدنا عمر بن عبد العزيز بنفسه عند هذا المولى الذي جاءهُ
من المدينة وقد أرجأهُ قليلاً لِيَحلّ قضايا المظالم يبدو أنَّه غفل
( هنيئًا لك يا زياد لقد اسْتدفأْتَ بِمَدْرعتِكَ واسْترحْتَ مِمَّا نحن فيه