الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين،
وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الصيام من أنفع العبادات
وأعظمها آثارا في تطهير النفوس وتهذيب الأخلاق،
وله فوائد عظيمة، من أعظمها:
أنه سبب لزرع تقوى الله في القلوب وكف الجوارح عن المحرمات،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَمِنقَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
فبين سبحانه في هذه الآية أنه شرع الصيام لعباده ليوفر لهم التقوى،
والتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير،
وقد علق الله بالتقوى خيرات كثيرة وثمرات عديدة،
وكرر ذكرها في كتابه لأهميتها،
وقد فسرها أهل العلم بأنها :
فعل أوامر الله، وترك مناهيه، رجاء لثوابه وخوفا من عقابه،
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
قال الإمام القرطبي رحمه الله :
[ ( لعل ) ترجٍ في حقهم، و( تتقون ) تتركون المعاصي،
فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي،
لأن الصيام هو كما قال عليه الصلاة والسلام :
[ أخرجه احمد 2/257، 402 (4/22) والنسائي رقم 2227،
والطبراني في الكبير(8/157 ـ 158 رقم 7608) ]
وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات. انتهى بمعناه.
أنه يعود الإنسان الصبر والتحمل والجَلَدَ،
لأنه يحمله على ترك مألوفة ومفارقة شهواته عن طواعية واختيار،
وهو يعطي قوة للعاصي الذي ألف المعاصي على تركها والابتعاد عنها،
فهو يربيه تربية عملية على الصبر عنها ونسيانها حتى يتركها نهائيا،
فمثلا : المدخن الذي سيطرت عليه عادة التدخين
وصعب عليه تركها يستطيع بواسطة الصيام ترك هذه العادة السيئة
والمادة الخبيثة بكل سهولة وكذلك سائر المعاصي.
أنه يمكّن الإنسان من التغلب على نفسه الأمارة بالسوء،
فإنها كانت في وقت الإفطار
تغالب صاحبها وتنزع إلى تناول الشهوات المحرمة،
فلما جاء الصيام تمكن الإنسان من إمساك زمام نفسه وقيادتها إلى الحق.
أنه يسهل على الصائم فعل الطاعات،
وذلك ظاهر من تسابق الصائمين إلى فعل الطاعات
التي ربما كانوا يتكاسلون عنها وتثقل عليهم في غير وقت الصيام.
أنه يرقق القلب ويلينه لذكر الله ـ عز وجل ـ ويقطع عنه الشواغل.
أنه ربما يحدث في قلب العبد محبة للطاعات
وبغضا للمعاصي بصفة مستمرة،
فيكون منطلقا إلى تصحيح مفاهيم الإنسان وسلوكه في الحياة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.