وفي كتاب الله تبارك وتعالى إشارة رائعة إلى هذا الأمر عندما قال :
{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ
وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا
وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا
قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ
وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ و
َحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
طالما كان هذا النص الكريم مدخلاً للمشككين
ليوهموا ضعفاء العقول والقلوب بأن القرآن متناقض!
فكيف يؤكد القرآن أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام،
ثم يأتي في هذا النص ليؤكد أن الأرض خلقت في يومين،
ثم تم إكمال خلقها في أربعة أيام، ثم خلقت السماء في يومين،
فيصبح المجموع ثمانية (2 + 4 + 2 = 8)!!
ويظن الملحد أنه أخرج لنا تناقضاً علمياً في القرآن،
ويقول : يكفي أن نجد خطأً علمياً واحداً لنثبت أن القرآن محرف،
ولكن لنتأمل بدقة هذا النص الكريم في ضوء الحقائق العلمية اليوم :
1- خلق الله تعالى الأرض في يومين
{ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ }
أي أن الأرض لم تكن موجودة فأوجدها الله في يومين
ولكنها غير صالحة للحياة. فقدّر فيها أقواتها وخلق عليها الجبال وغير ذلك
بشكل يجعلها صالحة للحياة، وذلك في أربعة أيام
{ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ }
2- في هذه الأيام الستة كانت السماء موجودة وممتلئة بالدخان،
والدليل على أنها موجودة قوله تعالى :
{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ }
أي أن الاستواء كان بعد خلق السماء وبعد خلق الأرض،
أي أنه بعد ستة أيام تمَّ خلق السماء والأرض.
إذاً لم يقل رب العالمين (ثم خلق السماء)
{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ }
فالسماء إذاً مخلوقة وموجودة مع الأرض، وهذا ما يقرره العلم الحديث.
أن خلق الأرض حدث والسماء موجودة وهي تتسع وتتشكل النجوم
وتستمر حركة المجرات وانفجار النجوم وخلق نجوم جديدة...
وهكذا... في هذه الظروف خلقت الأرض،
{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ }
أي بعد خلق الأرض وتسويتها وتقدير أقواتها...
استوى الخالق عز وجل إلى السماء وهي في حالتها الدخانية
وخاطبهما أن يلتزما أمر ربهما فأطاعاه
والطاعة هنا تكون من خلال التزام الكون بالقوانين الفيزيائية
التي وضعها الله تعالى، فمنذ أن خلق الله الكون وحتى يومنا
هذا لم نرَ خروجاً أو خرقاً واحداً لقوانين الطبيعية
(إلا ما كان من معجزات مثل انشقاق القمر)
وهذه هي طاعة الكون لله تعالى.
3- ثم بعد ذلك جعل هذه السماء الواحدة سبع طبقات بعضها فوق بعض،
وهذه العملية لا علاقة لها بخلق السموات،
بل هي عملية منفصلة ومتممة وتمت بعد خلق السموات
وسماها القرآن بعملية التسوية،
{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }
، وهذا دليل على أن السماء موجودة أصلاً ومنذ البداية،
وخلقت مع الأرض ولكنها لم تأخذ شكلها النهائي لأنها كانت دخاناً
وهذا ما يؤكده العلماء اليوم!
إذاً أكَّد القرآن أن الأرض والسماء كانتا مخلوقتين
ثم سوَّى الله السماء وجعلها سبع سموات،
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم }