( ممَا جَاءَ فِي : النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ )
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ حَدَّثَنَاعَارِمٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ
رضى الله تعالى عنهم أجميعين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ
( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ
وَ إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ )
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ
وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَقَ
وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ
قَوْلُهُ : ( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ ، أَوْ يَبْتَاعُ )
أَيْ : يَشْتَرِي قَالَ الْقَارِي : حَذْفُ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ
فَيَشْمَلُ ثَوْبَ الْكَعْبَةِ وَالْمَصَاحِفَ وَالْكُتُبَ وَالسُّبَحَ
( فَقُولُوا ) أَيْ : لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاللِّسَانِ جَهْرًا ، أَوْ بِالْقَلْبِ سِرًّا ، قَالَهُ الْقَارِي .
قُلْتُ : الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ جَهْرًا ،وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْآتِي
( لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ )
دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَيْ : لَا جَعَلَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ذَاتَ رِبْحٍ وَنَفْعٍ ،
ولَوْ قَالَ لَهُمَا مَعًا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكُمَا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ
( وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ) بِوَزْنِ يَطْلُبُ وَمَعْنَاهُ أَيْ : يَطْلُبُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ
( فِيهِ ) أَيْ : فِي الْمَسْجِدِ
( ضَالَّةً ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : الضَّالَّةُ هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ ، وَغَيْرِهِ ،
يُقَالُ : ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ ، وَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا حَارَ ، وهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ،
ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ ،
وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ ، وَتُجْمَعُ عَلَى ضَوَالَّ . انْتَهَى .
( فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ) وَرَوَىمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ
(مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ ) ؛
لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ :
مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :
( لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ )
قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ مِنْهَا : النَّهْيُ عَنْ نَشْدِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ ،
وَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا
مِنَ الْعُقُودِ وَكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ ،
قَالَ الْقَاضِي : قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ :
يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ ، وَغَيْرِهِ ،
وأَجَازَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ
بِالْعِلْمِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُهُمْ ،
وَلَا يَدَ لَهُمْ مِنْهُ . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ )
وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ،وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ،
وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ . ذَكَرَهُمَيْرَكُ،
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مُسْلِمًا قَدْ أَخْرَجَ الشَّطْرَ الثَّانِيَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ .
قَوْلُهُ : ( وَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
كَرِهُوا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ )
وَهُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ
( وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ )
لَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الرُّخْصَةِ ،
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ رَخَّصَ .
أنتهى كتاب البيوع و أنتظرواً غداً إن شاء الله
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك