عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-23-2013, 01:40 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

معاشر المُسلمين:
الإسرافُ يُفضِي إلى الفقر والفاقَة، وكم من بُيوتٍ أسَّسَها آباءٌ مُقتدِرون
وفي إنفاقِهم راشِدون، فخلفَهم أبناءُ يُسرِفون غلبَ عليهم التَّرَف،
فأطلقوا لشهواتهم العنان، فتقوَّضَت البيوت، وهلكَ المُسرِفون.
الإسرافُ يُنبِتُ في النفوس أخلاقًا مرذولة؛ من الجُبن، والجَور،
وقلَّة الأمانات، والإمساك عن البذل في وجوه الخير.
إن شدَّة التعلُّق باللذَائِذ من العيش يُقوِّي الحِرصَ على الحياة،
ويُبعِدُ عن مواقِع البذل والفِداء والعطاء.
وللإسراف أثرٌ على الصحَّة؛ فقد دلَّت المُشاهَدات
على أن المُسرِف في مأكلِه لا يتمتَّع بالصحَّة التي يتمتَّعُ بها المُقتصِدُ المُعتدِل،
وفي الحديث:
( ما ملأَ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسبِ ابنِ آدم لُقيمات يُقِمنَ صُلبَه
فإن كان لا محالَة فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لشرابِه، وثُلُثٌ لنفَسِه )
صدق المُصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي.
الإسراف يُسهِّل على النفوس ارتِكابَ الجَور؛
لأن المُنغمِس في الإسراف يحرِصُ على إشباع رغبَاتِه ولا يُبالِي
أن يأخُذه من أي طريقٍ، فتمتدُّ يدُه إلى ما في يدِ غيرِه بطُرقٍ مُلتوية ووسائل مُريبة.
الإسراف يدفعُ بصاحبِه إلى الإمساك عن فعل الخير وبذل المعروف؛
لأن من أخذَت ملذَّاتُه بمجامِع قلبِه كان أعظم همِّه إعطاءَ نفسه
مُشتهاها في مطعومِه وملبُوسِه ومركوبِه ومفروشِه.
معاشر المسلمين:
إن من جالِبات الهُموم والغُموم للبيوت: التفاخُرَ في الإنفاق،
والمُباهاة في الصَّرف، في تنافُسٍ مُشين، وإسرافٍ ظاهرٍ،
مما يقودُ إلى تراكُم الديون، وإثقال الكواهِل، وفساد الأمزِجة؛
بل قد يقودُ إلى أكل الحرام، وفساد الذِّمَم، والتقصير في جنبِ الله.
يستَدينُ ليُسافِر، ويقترِض ليُقيمَ حفلاتٍ باذِخة،
ما قادَه إلى ذلك إلا المُباهاة أو العاداتُ السيِّئة، مما أثقَلَ كواهِلَ أرباب الأُسَر
ونغَّصَ عيشَهم لسنواتٍ وسنواتٍ؛ بل إن لم يكن مدَى الحياة.
وما كان ذلك - وربِّكم - إلا بسبب الإسراف، والتبذير، وعدم الترشِيد.
إن البيوت التي تُمعِنُ في التشبُّع والامتِلاء، وتبتكِرُ من وسائل الطَّهي وأنواع المآكِل،
وضُروب التجديد والتطوير في المُستهلَكات لا تصلحُ لأعمالٍ جليلة،
ولا تُرشَّحُ هِمَمهم لبذلٍ أو تضحية.
وبعد، معاشر الأحبَّة:
فإليكم شذَرات من ثقافتِنا المُسلِمة وتُراثنا المُؤمن: ثقافة المعِيِّ الواحِد:
يقول ابنُ هُبَيْرة:
[ لا ينبغي للمُسلم أن يتناوَل فوق حاجتِه؛ لأنه قُوتُه وقوتُ غيره،
فالقسمةُ بينَه وبين غيرِه لا يُمكنُ تقديرُها إلا بالإشاعة بحسب الاحتِياج،
فإذا أخذَ من شيءٍ هو مشاعٌ بينَه وبين غيره أكثرَ من حاجته
فقد ظلمَ غيرَه بمقدار التفاوُت ]
وقيل لسمُرة بن جُندب - رضي الله عنه -: إن ابنَك باتَ البارِحة بشِمًا.
قال: أما لو ماتَ لم أُصلِّ عليه .
يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية مُعلِّقًا:
[ يعني: أنه أعانَ على قتل نفسِه فيكونُ كقاتِل نفسِه ]
ويقول أبو إسحاق النظَّام:
[ رآني جارِي المروَزي وقد مصَصتُ قصبَ سُكّر، فجمعتُ ما مصَصتُه معه لأرمِيَ به.
فقال: إن كنت لا تنُّور لك ولا عِيال، فهَبْه لمن له تنُّورٌ وعِيال،
وإياك أن تُعوِّد نفسَك هذه العادَة في أيام خِفَّة ظهرِك؛ فإنك لا تدرِي ما يأتيك من العِيال،
وتضييعُ القليل يجرُّ إلى تضييع الكثير ]
وهل الإسرافُ إلا هدرٌ وخرابٌ، وإفسادٌ للأنفُس والبيئة،
وحِرمانٌ للأجيال،وحقٌّ على أمةٍ تُريدُ النُّهوضَ من كبوَتها أن تُقلِعَ عن التبذير والإسراف
في الصَّرف والإنفاق، ويكونُ بذلُها في وجوه البِرِّ والإصلاح.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ
وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ
وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }
[الأنعام: 141].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛
فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

رد مع اقتباس