فهذا قانون إلهي يؤكد أن كل مؤمن سيكون مطمئناً وحياته طيبة.
أما الملحد فلابد أن تمتلئ حياته بالمشاكل والهموم وضنك العيش
ولن يشعر بالسعادة أبداً ولو ظن أنه سعيد، بل إنه قلق في داخله،
وهذا ما أخبر به القرآن في قوله تعالى :
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا *
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }
إنه دعاء كان النبي يحافظ عليه كلما استيقظ من نومه أو كلما أراد أن ينام :
( اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور )
انظروا معي إلى هذه الكلمات وكم تعطيك من ثقة بالله!
إنها تجعلك تشعر بأنك تعيش كل لحظة قريباً من الله.
يؤكد العلماء على ضرورة مخاطبة العقل الباطن
واستغلال أوقات الصباح والمساء، وبخاصة بعد الاستيقاظ وقبل النوم،
يكون العقل الباطن في أقصى درجات الاتصال مع العقل الظاهر،
وبالتالي فإنه يتلقى أي معلومة بسهولة ويرسخها ويتجاوب معها.
فأنت عندما تناجي ربك بهذا الدعاء إنما تتصل مع الله
وتشعر أنك قريب من الله وأن الله مسيطر على كل شيء في حياتك
ومماتك وبعثك يوم القيامة،
وهل هناك أجمل من أن تشعر بأن الله معك في كل لحظة!
إن هذا الشعور سيمنحك السعادة
ويشعرك بالطمأنينة التي حُرم منها كل من يبتعد عن الله،
وربما ندرك لماذا كان النبي حريصاً على هذا الدعاء وغيره صباحاً ومساءً،
لأنه يريد لنا الاطمئنان ويريد لنا السعادة في الدنيا والآخرة.
وهو من الأدعية "الذهبية" التي كان النبي يرددها كثيراً
بل كل يوم أكثر من مئة مرة،
( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد،
لقد أكَّد الحبيب الأعظم على أنه من قال هذا الدعاء مئة مرة
كُتبت له مئة حسنة ومحيت عنه مئة سيئة وكان كمن أعتق عشر رقاب،
ولم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه!
كل هذا الأجر ونحن غافلون عن هذا الدعاء؟
وكم عدد الذين يلتزمون لهذا الذكر كل يوم مئة مرة؟
ولذلك فإنني أنصح كل أخ وأخت أن يتذكروا هذا الدعاء كل يوم
ويحاولوا أن يكرروه مئة مرة على دفعات صباحاً ومساءً وظهراً
وكلما ضاقت به السبُل، أو كلما شعر بالحزن أو الهم،
ولكن ما الذي يحدث علمياً؟
إنك عندما تردد هذه الكلمات فإن هذا اعتراف منك بوحدانية الخالق عز وجل
وقدرته وأنه قادر على كل شيء،
فهو القادر على أن يرزقك إذا كان رزقك قليل!
وهو القادر على أن يبعد عنك الأمراض إذا كنت تخشى ذلك،
وهو القادر على أن يزيل عنك الهموم
ويخلّصك من الأحزان والمشاكل النفسية.
من الضروري لأي شخص أصابه اضطراب نفسي مثل انفصام الشخصية
أو الخوف الشديد أو الاكتئاب،
أن يلجأ إلى شخص قوي ويشعر بأنه سيحميه أو سيخلصه من هذه الهموم،
فإن هذا الشعور ضروري للعلاج،
وأقول : هل هناك أقوى من رب السموات السبع سبحانه وتعالى
لنلجأ إليه وندعوه ونتقرب منه؟!
إنه دعاء لا يستغني عنه المؤمن :
( يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله،
ولا تكِلني إلى نفسي طرفة عين )
تأملوا معي قوله عليه الصلاة والسلام :
( ( طرفة عين ) وفي روايات أخرى (طرفة عين أو أقل من ذلك) )
فما هي الحكمة العلمية، وما معنى أقل من طرفة العين؟
إن سرعة معالجة الأوامر في الدماغ واتخاذ القرار
وبخاصة القرارات الخاطئة،هو زمن قصير يقدر بعشرات الميلي ثانية،
وبالتالي أراد النبي لنا أن نعتمد على الله
وألا يكِلنا إلى أنفسنا مقدار طرفة العين،
ففي زمن طرفة العين هناك ملايين العمليات التي تتم في الدماغ والقلب،
ولذلك فإن هذا الدعاء هو تسليم كامل لله
أن يهيء لنا أبواب الخير وألا تتدخل نفوسنا الضعيفة في قراراتنا.
أن الزمن الأقل من طرفة العين
هو زمن جوهري في العمليات داخل الخلايا العصبية،
وقد يتخذ الإنسان قراراً في جزء من ثانية دون أن يشعر،
ويكون هذا القرار سبباً في تعاسته أو خسارته،
لذلك كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم حريصاً علينا
ألا نتكل على أنفسنا أو نلجأ إلى قدرتنا وقوتنا ولو لجزء من الثانية،
بل أن نسلم الأمر كله لله تعالى.