أ- أما المطلوب شرعاً ، فهو على درجات :
بمعنى أنه لا يجوز لمسلم تركه والسكوت عنه ، وهو السؤال عما
يجهله من أمور الدين وأحكام الشرع ، مما يجب عليه فعله ويطالَب
بأدائه ، كأحكام الطهارة والصلاة إذا بلغ ، وأحكام الصوم إذا أدرك
رمضان وكان صحيحاً مقيماً ، وأحكام الزكاة والحج إذا ملك المال أو
كان لديه استطاعة ، وأحكام البيع والشراء والمعاملات إذا كان يعمل
بالتجارة ، وأحكام الزواج وما يتعلق به لمن أراد الزواج ،
ونحو ذلك مما يسأل عنه المكلف .
وفي هذا يقول الله تعالى :
} فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون َ {
وعليه حمل ما رواه البيهقي في " شعب الإيمان " ،
من قوله صلى الله عليه وسلم :
( طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، و إنَّ طالبَ العلمِ يستغفرُ لهُ
كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانُ في البحرِ )
الراوي : أنس بن مالك - المحدث : السيوطي –
المصدر : الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم : 5266
بمعنى أنه لا يجب على كل مسلم ، بل يكفي أن يقوم به بعضهم ،
وهو السؤال للتوسع في الفقه بالدين ، ومعرفة أحكام الشرع وما
يتعلق بها ، لا للعمل وحده ،
بل ليكون هناك حَفَظَة لدين الله عز وجل ، يقومون بالفتوى
والقضاء ، ويحملون لواء الدعوة إلى الله تعالى .
وفي هذا يقول الله تعالى :
} وَ مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ {
معنى أنه يستحب للمسلم أن يسأل عنه ، وذلك مثل السؤال عن
أعمال البِرِّ والقربات الزائدة عن الفرائض .
ب- سؤال منهي عنه ، وهو على درجات أيضاً :
أي يأثم المكلف به ، ومن ذلك :
- السؤال عما أخفاه الله تعالى عن عباده ولم يُطلعهم عليه ،
وأخبر أن علمه خاص به سبحانه ، كالسؤال عن وقت قيام الساعة ،
وعن حقيقة الروح وماهيتها ، وعن سر القضاء والقدر ، ونحو ذلك.
- السؤال على وجه العبث والتعنت والاستهزاء .
- سؤال المعجزات ، وطلب خوارق العادات عناداً وتعنتاً ،
أو إزعاجاً وإرباكاً ، كما كان يفعل المشركون وأهل الكتاب .
روى أحمد وأبو داود : عن معاوية رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلوطات ،
وهي المسائل التي يغالَط بها العلماء ليزِلّوا فيها ، فيهيج بذلك شر
وفتنة ، وإنما نهى عنها لأنها غير نافعة في الدين .
- السؤال عما لا يحتاج إليه ، وليس في الجواب عنه فائدة عملية ،
وربما كان في الجواب ما يسوء السائل .
- السؤال عما سكت عنه الشرع من الحلال والحرام ، ولم يبين فيه
طلباً أو نهياً ، فإن السؤال عنه ربما كان سبباً للتكليف به مع التشديد
فيه ، فيترتب على ذلك وقوع المسلمين في حرج ومشقة ،
كان السائل سبباً فيها ، وهذا في زمن نزول الوحي .
والذي يتعين على المسلم أن يهتم به ويعتني هو :
أن يبحث عما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
ثم يجتهد في فهم ذلك والوقوف على معانيه ، فإن كان من الأمور
العلمية صدق به واعتقده ، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه
في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما ينهى عنه،
فمن فعل ذلك حصل السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة .
التحذير من الاختلاف والحث على الوحدة والاتفاق :
لقد وصف الله تعالى الجماعة المسلمة والفئة المؤمنة بأنها أُمَّة
{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِي {
فينبغي على المسلمين أن يحرصوا على هذه الوحدة ، حتى يكونوا
قوة متماسكة أمام قوى الشر والبغي والكفر المتكاثرة .
ولقد حذرنا الله تعالى ورسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم
أشد التحذير من الاختلاف ، وكذلك يقرر القرآن أن هذا شأن الذين
} وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ
وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {
إن من أهم الأسباب التي تفرق الأمة وتشتت شملها أن يُفْتَحَ عليها
باب الجدل في العلم والمِراء في الدين ، فتختلف في الأساس .
والبلية كل البلية أن يكون الحامل على الاختلاف في الدين المصالح
والأهواء ، و العناد و البغي ، ولذا نجد كتاب الله تعالى يخرج أمثال
هؤلاء الناس الذين يُثيرون الخلاف في الدين ويريدون أن يجعلوا
المسلمين شِيَعاً وفرقاً وأحزاباً ، نجده يخرجهم من دائرة الإسلام ،
ويبرئ منهم نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول :
} إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ
إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {
والخطر إنما يكمن في هذا النوع من الاختلاف ، الذي لا يحتكم إلى
برهان ولا ينصاع إلى حجة ، وهذا الاختلاف هو الذي كان سبب
هلاك الأمم ، وإليه يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
)فإنما أهلكَ الذين من قبلكم كثرةَ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم (
أما الخلاف الناشئ عن دليل ، ويستند إلى أصل ، فليس هو المقصود
في الباب ، لأنه خلاف في الفروع وليس في الأصول ،
وخلاف ليس من شأنه أن يحدث الفرقة والشتات في صفوف الأمة ،
بل هو عنوان مرونة التشريع وحرية الرأي فيه ضمن قواعده وأسسه