لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد
اللهم اسألك رضاك والجنة بغير حساب ولا سابق عذاب
إن كان التأجيل في بعض الأمور مقبولًا
فإنه في كثير من أمور حياتنا شيء مرفوض
كتب: شريف أبو فرحة
"لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد"..
كم سمعنا تلك الجملة مرارًا وتكرارًا من كثيرين كانوا يرتدون ثوب
الحكمة والنصيحة ،
وكم كنّا نعتبرها مقياسًا للنجاح والتفوق ؛
فذلك الذي يؤدي عمل اليوم في يومه هو بالتأكيد من الناجحين الفالحين..
فهل كنا مصيبين في ذلك؟
لعلي لا أخطئ حين أقول إننا لم نُصِب كثيرًا في تلك الجملة ،
ولم يُصِب فيها أولئك الناصحون الذين أكثروا من ترديدها على آذاننا حتى
صارت من معالم المرحلة الدراسية المبكرة لمعظمنا
إن لم يكن كلنا ،
تمامًا كساندويتشات المدرسة ، وروائحها المختلطة بروائح الفصل المتعددة
من طباشير أو أقلام وجلد جديد في الحقائب والأحذية..
نعم أخطأنا في هذه الجملة كثيرًا ؛ فليس من الحكمة أن نكتفي بعمل
اليوم في يومنا ؛ بل نحن مطالبون باستشراف المستقبل ،
وأن نؤدي اليوم عمل اليوم والغد ؛ فكل الدنيا تتحرك حولنا سريعًا ،
وحياة الإنسان لا تعرف الثبات أبدًا ؛ فهو إما أن يتقدم وإما أن يتأخر ،
وقد يكون تأخره بتقدم الآخرين عليه ، وليس بتراجعه هو فقط .
كم مرة أجّلنا أمورًا هامة في حياتنا دون مبرر؟
أو حتى بمبرر غير حقيقي وغير فعّال ؟
كم مرة استمتعنا بالتردد في اتخاذ القرارات ،
وفضّلنا أن نؤجل البتّ فيها ؛ لأننا لا نستطيع مواجهة النتائج ،
وافترضنا أن الزمان كفيل بحل كثير من المشكلات؟
التأجيل مرض يصاب به ضعاف النفوس ، وضعاف الهمم ؛
فهو نوع رئيسي من أنواع الهروب من المواجهة ،
وعجز عن مواجهة الأحداث وإنجاز المهام ..
فهل حدث أن سأل أحدنا نفسه :
لماذا أؤجل عملًا ؟
لماذا أؤجل موقفًا يجب أن أتخذه ؟
لماذا لا أنجز الآن ما يجب من أعمال ؟
لماذا لا أستشرف المستقبل وأُنجز ما يؤمّنه بأفضل صورة ممكنة ؟
كثيرون منّا يؤجلون على اعتقاد أن الظروف ستتغير ،
وأن الأمور ستتحول إلى الأفضل مع مرور الأيام ،
وقد يكون هذا شيئًا حادثًا ؛ نعم قد تتغير الأمور إلى الأفضل ،
وقد يكون الوقت فيما بعد ملائمًا أكثر لأداء كثير من الأعمال ؛
لكن هل نعتمد في حياتنا على هذه الفكرة غير المؤكدة ؟
فإن كان التأجيل في بعض الأمور مقبولًا ؛ فإنه في كثير من أمور
حياتنا شيء مرفوض ؛ فهو غالبًا ما يؤدي للخسائر ،
ولا تُرجى منه فائدة .
إن كنت تبتعد عن الله وتأمل في أن تجد الوقت الكافي في شيخوختك
لذلك فأحذرك !!
قد لا تجد الوقت لذلك ؛ فابدأ الآن وقل:
{ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }
إن كنت تؤجل وضع خطة واضحة لحياتك ؛ آملًا في أن تستمتع بها
قليلًا قبل أن تبدأ في الجد والاجتهاد ؛ فأنصحك بأن الاجتهاد والجد
لا يتعارضان مع الاستمتاع بالحياة ؛ فلتضع خطتك لحياتك من الآن ،
ولتضع فيها مساحة الاستمتاع المناسبة ، واعلم أنك بعد فترة ستجد
كل المتعة في الارتقاء بحياتك ، وستجد كل المتعة في الاجتهاد والجد .
إن كنت تؤجل مذاكرتك آملًا في أن تجد الوقت المناسب قبل الامتحان ؛
فأنبهك !!
قد لا تجد هذا الوقت ،
وإن وجدته فلِمَ لا تبدأ مبكرًا فتكون أقدَر وأفضل ،
وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
( سَدِّدوا وقارِبوا واعلموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم عملُه الجنَّةَ
وأنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى الله أدومُها وإن قَلَّ )
فلا تؤجل أبدًا تحصيلًا علميًّا ؛ حتى وإن كان هناك وقت آخر يمكن
أن تبدأ فيه ، ابدأ ما دمت تستطيع ذلك .
إن كنت تؤجل إصلاح شيء ما آملًا في أن يحتمل فترة أطول من الزمن
قبل أن ينهار ؛ فأقول لك : قديمًا قالوا :
" الوقاية خير من العلاج "
وترك الإصلاح قد يؤدي إلى مفاسد أكثر وضرر أكبر ،
تحتاج إلى مجهود مضاعف لإصلاحه ؛
فلا تؤجل عملًا ، ولا تؤجل إصلاحًا أبدًا .
إن كنت تؤجل اهتمامك بصحتك وممارسة الرياضة آملًا في أن تجمع
قليلًا أو كثيرًا من المال ،وتتحجج بانشغالك وضيق وقتك ؛
فأصيح بصوت عالٍ لتسمعني :
ربما تجمع المال حقًّا ؛ لكنك قد تنفقه في علاج ما أفسدته بإهمالك ؛
فصحتك أهم كثيرًا مما قد تجمعه ..
ابدأ أيها الأب في تربية أبنائك من الآن مهما كانت أعمارهم ،
ولا تظنّ أبدًا أنهم صغار لا ينتفعون بالتوجيه ،
وتذكر أن علماء النفس قالوا :
أخبرونا كيف كان أطفالكم في السنوات السبع الأولى
نقول لكم كيف سيكونون في حياتهم .
ابدئي أيتها الزوجة في إقامة الجسور والعلاقات مع زوجك ،
ولا تنشغلي بأي شيء في حياتك ؛
فكل ثانية تمرّ عليك دون إصلاح ما بينك وبين زوجك
هي صخرة في جدار البعد وهدم المنزل .
ابدأ أيها الشاب في الحياة الجادة النافعة ، واعلم أن استمتاعك بشبابك
لا يتأثر بالجد ؛ فبعد سنوات قليلة ستفاجأ بأنه لا وقت لديك ،
وأنك أصبحت مطالبًا بأشياء كثيرة في حياتك .
ابدؤوا جميعًا في تنظيم حياتكم ، ابدؤوا في تنفيذ أحلامكم ،
لا تؤجلوا أبدًا ؛ فلن يتغير شيء حولنا إلا إذا غيّرناه بأيدينا ،
وكلما مرّ الوقت قلّ مجهودنا وزادت الصعوبات حولنا .
فهل نفهم قوله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }؟!
نعم هي كلمة وموقف وقرار سأتخذهم الآن ..
كلمتي :
لا للتأجيل أبـــــــــــــــــــدًا..
وموقفي :
أنجز ما عليّ ؛
بل أستشرف المستقبل وأمهد له ..
وقراري:
سأبدأ الآن دون تردد أو تخوف أو تأجيل ..