قَوْلُهُ : ( وَ هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِمَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ)
وَأَخْرَجَهُابْنُ مَاجَهْ، قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ ،
وَلَكِنَّهُ رَجَّحَالتِّرْمِذِيُّإِرْسَالَهُ عَلَى وَقْفِهِ . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَالْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ )
الْإِيلَاءُ فِي اللُّغَةِ : الْحَلِفُ ، وفِي الشَّرْعِ : هُوَ مَا ذَكَرَهُالتِّرْمِذِيُّ،
فَلَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُكَ وَلَمْ يَقُلْ وَاللَّهِ . لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ، وقَدْ فَسَّرَابْنُ عَبَّاسٍبِهِ
{ الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}
بِالْقَسَمِ أَخْرَجَهُعَبْدُ الرَّزَّاقِ،وَابْنُ الْمُنْذِرِوَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ،
وفِي مُصْحَفِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : لِلَّذِينَ يُقْسِمُونَ . أَخْرَجَهُابْنُ أَبِي دَاوُدَفِي الْمَصَاحِفِ عَنْحَمَّادٍ،
ثُمَّ عِنْدَأَبِي حَنِيفَةَوَأَصْحَابِهِ ،
وَالشَّافِعِيِّفِي الْجَدِيدِ : إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَكُونُ مُولِيًا ،
واشْتَرَطَمَالِكٌأَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهَا ، أَوْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ ، فَإِنْ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ،
ووَافَقَهُأَحْمَدُ، وَأَخْرَجَ نَحْوَهُعَبْدُ الرَّزَّاقِعَنْ عَلِيٍّ،
وكَذَلِكَ أَخْرَجَالطَّبَرِيُّعَنِابْنِ عَبَّاسٍوَعَلِيٍّوَالْحَسَنِ،
وحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ إِطْلَاقَ قَوْلِهِ تَعَالَىلِلَّذِينَ يُؤْلُونَالْآيَةَ ،
واتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ، وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
- هل يعد موليا - لَا يَكُونُ مُولِيًا ،
وكَذَلِكَ أَخْرَجَهُالطَّبَرِيُّوَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍوَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍعَنِابْنِ عَبَّاسٍقَالَ :
كَانَ إِيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ ، فَوَقَّتَ اللَّهُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا .
فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ .
قَوْلُهُ : ( فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
وَ غَيْرِهِمْ : إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ )
أَيْ : الْمُولِي يَعْنِي : لَا يَقَعُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّلَاقُ ، بَلْ يُوقَفُ الْمُولِي
( فَإِمَّا يَفِيءُ ) أَيْ : يَرْجِعُ
( وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ ) وَإِنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ- الْمُولِي - فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ
( وَهُوَ قَوْلُمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ،وَالشَّافِعِيِّ،وَأَحْمَدَوَإِسْحَاقَ)وَسَائِرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ
كَمَا سَتَعْرِفُ رَوَىالْبُخَارِيُّفِي صَحِيحِهِ عَنِابْنِ عُمَرَقَالَ : إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ ،
وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ يَعْنِي : الْمُولِيَ ،
قَالَالْبُخَارِيُّ : وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْعُثْمَانَوَعَلِيٍّوَأَبِي الدَّرْدَاءِ
وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مِنْ وَصْلِ هَذِهِ الْآثَارِ ،
ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ قَوْلُمَالِكٍ،وَالشَّافِعِيِّ،وَأَحْمَدَوَإِسْحَاقَوَسَائِرِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ،
إِلَّا أَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَفَارِيعَ يَطُولُ شَرْحُهَا ،
مِنْهَا أَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ فِيهِ رَجْعِيًّا ،
لَكِنْ قَالَمَالِكٌ : لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ إِلَّا إِنْ جَامَعَ فِي الْعِدَّةِ ،
وقَالَ الشَّافِعِيُّ : ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ،
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلًا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ ،
فَإِذَا انْقَضَتْ فَعَلَيْهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ .
فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَتَّى يُحْدِثَ رُجُوعًا ، أَوْ طَلَاقًا ،
ثُمَّ رُجِّحَ قَوْلُ الْوَقْفِ بِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ قَالَ بِهِ ،
وَالتَّرْجِيحُ قَدْ يَقَعُ بِالْأَكْثَرِ مَعَ مُوَافَقَةِ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ،
ونَقَلَابْنُ الْمُنْذِرِعَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَالَ :
لَمْ يَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْعَزِيمَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تَكُونُ طَلَاقًا ،
وَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْعَزْمُ عَلَى الْفَيْءِفَيْئًا ، وَلَا قَائِلَ بِهِ ،
وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَةِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّذِي لَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ تَقْتَضِي طَلَاقًا ،
وقَالَ غَيْرُهُ : الْعَطْفُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ ،
وَالَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ التَّرَبُّصِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِيَقَعَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهَا ،
وقَالَ غَيْرُهُ : جَعَلَ اللَّهُ الْفَيْءَ وَالطَّلَاقَ مُعَلَّقَيْنِ بِفِعْلِ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ ،
وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَىفَإِنْ فَاءُواوَإِنْ عَزَمُوا .
فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ . انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي .
( وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَغَيْرِهِمْ :
إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ ، وهُوَ قَوْلُالثَّوْرِيِّوَأَهْلِ الْكُوفَةِ)
وَهُوَ قَوْلُأَبِي حَنِيفَةَرَحِمَهُ اللَّهُ قَالَمُحَمَّدٌفِي مُوَطَّئِهِ :
بَلَغَنَا عَنْعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِوَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَوَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍوَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍأَنَّهُمْ قَالُوا :
إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ فَقَدْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ ،
وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنْ يُوقَفَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ ،
وقَالَابْنُ عَبَّاسٍفِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِلِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌوَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
قَالَ : الْفَيْءُ الْجِمَاعُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ ، وَعَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ الْأَرْبَعَةِ ،
فَإِذَا مَضَتْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ ، وَلَا يُوقَفُ بَعْدَهَا ،
وَكَانَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍأَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِهِ : وَهُوَ قَوْلُأَبِي حَنِيفَةَرَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةِ .
انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ .
قُلْتُ : هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ،
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِمَالِكٌوَالشَّافِعِيُّ،
وَأَحْمَدُوَإِسْحَاقُوَسَائِرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، ويُوَافِقُهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَتَفَكَّرْ ،
وَ اللَّهُ تَعَالَى أعلى و أَعْلَمُ و أجَلَّ .
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .