الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالِكِ يوم الدين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المُبين،
وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه،
وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ المَيامين،
ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
إن الدواءَ الذي نهضَت به أمَّتُنا مُنزَّلٌ من لدُن حكيمٍ خبيرٍ على قلبِ
خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، فلا تِرياقَ بعدَه ولا حلَّ سِواه.
إن خَواء النفوسِ من الإيمان كارِثةٌ دينيَّةٌ ودنيويَّةٌ،
وإن الدينَ ليس ضمانًا للآخرة فحسب؛ بل هو ضمانٌ للبقاء،
وإن استِلالَ الإيمان من النفوس وتركَ القلوب خَواءً من الدين لهُوَ الضربةُ القاضِيَةُ
المُهلِكة، ومن يُعينُ عدوَّه في تحقيق ذلك فهو خائِنٌ لله ولرسُولِه ولأمته.
وقد تورَّطَ بعضُ المُسلمين في تحقيق بعض رَغَبات العدو؛ إما جهلاً،
أو من ضعفِ وعيٍ وقلَّة دين، وتغليبِ الدنيا على الآخرة.
وبعضُهم سخَّر ما رزقَه الله من مالٍ وقلمٍ وإعلامٍ في تَهوينِ الدِّيانة في نفوس المُسلمين،
وفتحِ أبوابِ الشَّهوات والشُّبُهات، حتى بِتْنا نخشَى على أنفُسنا قبل أجيالِنا.
ألا فاتقوا الله - أيها المسلمون
وإياكُم وتقديسَ العقل واتباعَ الهوَى، والإعجابَ بالرأي.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
[ من تعوَّد مُعارضَة الشرع بالرأي لا يستقِرُّ في قلبِه الإيمان ]
والواقعُ شاهِدٌ، كما في اضطِرابِ المُعاصِرين، أدمَنوا الشَّغَبَ على الشريعة.
فالحَذَرَ كلَّ الحَذَر من تعريضِ النفس للشُّبُهات، وورودِ المناهِل العَكِرة
أو مُجالَسة أصحابها، أو التعرُّض لمراتِعِها؛ من القنوات والكتب والروايات،
والمواقِع الآسِنات؛ فإن القلوبَ ضعيفة، والشُّبَهَ خطَّافة، واللهُ تعالى يقول:
{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا
فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا }
الإيمانُ كنزٌ يجبُ النَّأْيُ به عن العوارِضِ والآفات، كم سُلِبَه علماء،
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }
وإذا كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد خافَ الفتنةَ على الفاروق - رضي الله عنه –
حين أتاه بكتابٍ أصابَه من بعض أهلِ الكتابِ فقرأَه عليه،
فغضِبَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال:
( أمُتهوِّكُون أنتم فيها يا ابنَ الخطَّاب؟!
أي: هل أنتم مُتحيِّرُون في الإسلام،
لا تعرِفون دينَكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى؟!
والذي نفسي بيده؛ لقد جِئتُكم بها بيضاء نقيَّة )
فمن يأمَنُ على نفسِه الفتنةَ بعد عُمر؟! ولقد خلَت من قبلِنا المثُلات،
وسِيقَت لنا العِظات، فعلى المُؤمنِ تجنُّبُ الشُّبُهات ومواطِن الفِتَن،
وكم يتهاوَنُ المُفرِّطُون في تقحُّمِها بدافعِ الفُضولِ أو تطلُّبِ المعرِفة،
خصوصًا وقد تيسَّرَت سُبُل الوصول إليها، فزلَّت أقدام، وانتكَسَت أفهام،
وزُيِّن لبعضِهم سُوءُ عملِه فرآهُ حسنًا.
وقد كان رسولُ الإيمان - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يدعُو:
( يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِك )
وفي الإكثار من العمل الصالحِ، وتلاوة القرآن، ومُجالَسَة الأخيار من الأبرار،
والتِزام الدعاء عصمةٌ - بإذن الله - من الأهواء والشُّبُهات.
يجبُ استِنهاضُ هِمَم العُلماء والمُصلِحين ليقِفُوا سدًّا مَنيعًا دون عوادِي الإلحاد،
ورياح التَّشكيك؛ حِراسةً للدين، وحِمايةً له من العادِيات عليه وعلى أهلِه،
قِيامًا بالواجِب، ورحمةً بالإنسانيَّة، وحِفاظًا على وحدة الصفِّ، وجمع الكلِمة،
ألا إن النَّفيرَ لرَدع المُلحِدين ونقضِ شُبَههم وكشف فُتونِهم وتعرِيَتهم
هو من حقِّ الله على عباده، وحقِّ المُسلمين على عُلمائِهم في ردٍّ كل مُخالِفٍ ومُخالفَته،
ومُضِلٍّ وضلالته، ومُخطِئٍ وخطئِه، وزلَّة عالِمٍ وشُذُوذه،
حتى لا تتداعَى الأهواءُ على المُسلمين، تعثُو فسادًا في فِطَرهم،
وتقسِمُ وحدتَهم، وتؤولُ بدينِهم إلى دينٍ مُبدَّل، وشرعٍ مُحرَّف،
ورُكامٍ من النِّحَل والأهواء.
اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلوبَنا على دينِك،
اللهم يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلوبَنا على دينِك.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ،
وعلى آله الطيبين الطاهرين،
وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام وانصُر المسلمين،
واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين،
اللهم انصُر دينكَ وكتابَك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك،
ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ،
واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في فلسطين،
وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين،
اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكان،
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في مصر وفي كل مكان،
اللهم اجمَعهم على الهدى، واكفِهم شِرارَهم، وأصلِح أحوالَهم.
اللهم كُن لإخواننا في سُوريا،
اللهم كُن لإخواننا في سُوريا،
اللهم اجمَعهم على الحق والهُدى،
اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم،
واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم،
وانصُرهم على من بغَى عليهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى،
وخُذ به للبرِّ والتقوى، وأتِمَّ عليه عافِيَتك وألبِسه لباسَ الصحةِ وتمامَ الشفاءِ،
اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق وُلاةَ أمور المُسلمين لتحكيم شرعِك،
واتباع سنة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
واجعلهم رحمةً على عبادك المُؤمنين.
اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادنا وبلاد المُسلمين،
واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا،
اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وأزواجنا وذُرِّياتنا، إنك سميعُ الدعاء.
اللهم إنا نسألُك رِضاك والجنةَ، ونعوذُ بك من سخَطِك والنار.
نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه،
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء،
أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطِين،
اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا طبَقًا مُجلِّلاً،
عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد،
وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والبَادِ. اللهم سُقيا رحمة،
لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحي