بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=20)
-   -   التـوكل و التواكل (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=17949)

adnan 02-28-2014 10:01 PM

التـوكل و التواكل
 
الأخت / بنت الحرمين الشريفين

التوكل و التواكل
التوكل والتواكل. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
التوكل والفارق بينه وبين التواكل ،
علماً بأن هناك شبهةً قد يعرض لها بعضهم من خلال أن التوكل لا حاجة
لنا به إذا قدمنا الأسباب كاملةً علماً بأن الإنسان كثيراً ما يقدم الأسباب كاملةً ،
ومدروسة ، وبعد ذلك يخطئ ، ويعلم أنه قد أخطئ ،إذاً لابد من
التوكل ، ومن ناحية ثانية يجب أن يبتعد عن التواكل .ضمن هذا المفهوم ،
يسيء بعض الناس مفهوم التوكل فيسوقهم هذا المفهوم الخاطئ إلى
السلبية ، وإلى عدم الأخذ بالأسباب .
موضوع التوكل ، موضوع مهم جداً في حياة المؤمن ،
لأنه من لوازم إيمانه بالله تعالى ،
بل هو ثمرة من ثمار إيمانه بالله تعالى , ولابد قبل الحديث عن التوكل من
أن نمهد له بموضوع يعد أساساً له وهو أن الله جل جلاله ، خلق الكون
بسماواته وأرضه ، وخلق العوالم وعلى رأسها الإنسان وفق أنظمة بالغة
الدقة . لولا ارتباط الأسباب بالنتائج لكان الكون عبثيا ومن أبرز هذه
الأنظمة ، نظام السببية ، وفي تعريف السببية تلازم شيئين حدوثاً وعدماً ،
أحدهما قبل الآخر ، فنسمي الأول سبباً ونسمي الثاني نتيجة . لكن مما
يكمل هذا النظام ، أن العقل البشري يقوم في تركيبه على مبدأ السببية ؛
أي أن العقل لا يفهم حدثاً من دون محدث ، ومن رحمة الله بنا ، أن هذا
النظام في الكون ، وذاك المبدأ في العقل يقودنا برفق إلى معرفة الله
مسبب الأسباب . الأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ،
فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج
، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟
ومن رحمة الله بنا ثانية , أن تلازم الأسباب مع النتائج يضفي على الكون
طابع الثبات ويمهد الطريق لاكتشاف القوانين ، ويعطي الأشياء خصائصها
الثابتة ليسهل التعامل معها ، ولو لم تكن النتائج بقدر الأسباب ، لأخذ
الكون طابع العبثية ، ولتاه الإنسان في سبيل المعرفة ، ولم ينتفع بعقله .
والآن إلى موضوع التوكل :
ســـــــــــــــؤال ؟ التواكل سبب تخلف المسلمين
إذا كان الأمر كذلك ، فما هي حقيقة التوكل ؟وما هي مجالاته المشروعة ؟
التوكل مكانه قلب المؤمن وأما الأخذ بالأسباب فمكانه الجوارح والأعضاء
فإذا تركنا الأخذ بالأسباب ، توكلاً على الله ، وقعنا في مرض خطير ؛ هو
سبب تخلف المسلمين ، وقد يطلق على هذه الحالة المرضية الخطيرة التي
تصيب المسلمين بالشلل يطلق على هذه الحالة بالتواكل ، وهو نقيض
التوكل ، أراد الله أن توكل ، لكن لم يرد بنا أن نتواكل . فمن أخذ بالأسباب
, واعتمد عليها فقد حبط عمله ، وسلك طريقاً لا يصل به إلى الله عز وجل
لذلك يتفضل الله على هذا الإنسان فيؤدبه ، كيف يأدبه بتعطيل فاعلية
الأسباب التي اعتمد عليها ، فيفاجأ هذا الإنسان بنتائج غير متوقعة ،
لكن في حالة أخرى ، من ترك الأخذ بالأسباب متوكلاً في زعمه على الله
فقد عصى ، فقد عصى ربه ، لأنه لم يعبأ بهذا النظام ، الذي ينتظم الكون
، ولأنه طمع بغير حق ، أن يخرق الله له هذه السنن .
قال عمر رضي الله عنه :
المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله .
ســــــــــــــــــؤال ؟ طيب إذا أخطأنا فهم حقيقة التوكل ، فانزلقنا
إلى أن يحبط عملنا أو إلى معصية ، من خلال ترك الأسباب ،
فما الذي يحدث ؟
الحقيقة هذا يقودنا إلى رأي علماء التوحيد في هذا الموضوع علماء
التوحيد يرون ، أن السبب لا يعد كافياً لخلق النتيجة ، فالنار لا تحرق
بذاتها ، بل عند مشيئة الله لها أن تحرق ، واستنبط العلماء هذه الحقيقة
من أدلة نقلية , وعقلية , وواقعية ، وعبروا عنها اختصاراً عندها لا بها ؛
أي أن النار لا تحرق بقوة الإحراق الذاتية التي أودعت فيها فيما يبدو، بل
بمشيئة الله تعالى لها أن تحرق فلكي لا نتوهم أن الأسباب وحدها تخلق
النتائج ، فنتجه إليها ، ونعتمد عليها ، من دون الله ، لأن علة وجودنا أن
نؤمن بالله ، وأن توجه إليه ، وأن نعتمد عليه لنسعد به . لذلك من تربية
الله لنا ، ومن رحمته بنا ، ومن تأديبه لنا أنه يخرق لنا أحياناً هذه القاعدة
، وقاية لنا من الشرك ، وترسيخاً للتوحيد عندئذٍ تعطل الأسباب ، كما وقع
لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما ألقي في النار. النار كانت بردا
على سيدنا ابراهيم لأن الله مسبب الأسباب عطل عملها
{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }
[ سورة الأنبياء الآية : 69 ]
وأحياناً يوجد السبب ولا تتحقق النتيجة ، وأحياناً توجد النتيجة من دون
سبب ، أو من دون سبب كاف .
قال تعالى ،
قد حدثنا عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام :
{ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ }
[ سورة آل عمران الآية : 49 ]
وباختصار التوكل درب ضيق عن يمينه وعن شماله واديان فمن أخذ
بالأسباب ، واعتمد عليها ، فقد انزلق إلى إحباط العمل ، ومن لم يأخذ بها
فقد انزلق إلى معصية الله ، لكن الموقف الدقيق الذي أراده الله عز وجل ،
أن نأخذ بالأسباب من دون أن نعتمد عليها ، وأن توكل على مسبب
الأسباب رب العالمين . هذه حقيقة التوكل التي أرادها الله عز وجل ،
وقد ورد التوكل في آيات كثيرة ،
فقال تعالى:
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * }
[ سورة آل عمران الآية : 49 ]
ســــــــــــؤال:
يعني هنا يحضروني بعض الأمثلة ، حتى فيما يمكن أن يقال في قمة
الاختراعات والتصنيع ، مثلاً لكل عام نجد في السيارات طرازاً جديداً
يختلف عما سبقه ، عندما صممت السيارة درست من قبل مهندسين ،
درست من قبل أخصائيين ، من كل النواحي ، وصنعت بعد ذلك السيارة ،
في العام التالي نجد تعديلاً فيها ،
ترى ألم يأخذوا بالأسباب من قبل ؟
أخذوا بالأسباب ، طيب لماذا جاء هذا التعديل إن كانت الأسباب تودي إلى
الصحة المتكاملة باستمرار ؟ لاشك أن الإنسان وعقله ، عاجز عن تأدية
الكمال ، هنا دور الإيمان ، أن الإنسان يؤدي الأسباب كاملة ، وبعد ذلك
يلتجئ إلى الله تعالى أن يارب إني قد أديت ما عليّ وبعد ذلك أتوكل عليك .
خلق الله كامل بينما صنع الإنسان قابل للتعديل الحقيقة هذا الطرح الذي
طرحتموه دقيق جداً ، لأن خبرة الإنسان مكتسبة ، خبرته حديثة ، محدثة
لكن خبرة الله قديمة ، فلم يطرأ أي تعديل على خلقة الله عز وجل ، لأن
كماله مطلق ، وخبرته قديمة ، أما الإنسان بحكم ضعفه .
قال تعالى :
{ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً }
[ سورة النساء الآية : 28 ]
فخبرته يكتسبها شيئاً فشيئاً ، فهذا لا يمنع أن نأخذ بالأسباب دائماً ،
وكلما واجهتنا مشكلة نبحث عن أسبابها ، ونغطي هذا السبب بعلاج
ناجح ، ونافع .


All times are GMT +3. The time now is 10:04 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.