بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   الرسائل اليومية لبيت عطاء الخير (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=20)
-   -   أسماء الله الحسنى ( 01-02 ) (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=11542)

بنت الاسلام 06-16-2013 06:39 PM

أسماء الله الحسنى ( 01-02 )
 
الأخت / بنت الحرمين الشريفين



العقيدة الإسلامية

أسمــــــــاء الله الحسنى
اسم الله الحفيظ (الجزء الأول )
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بتاريخ: 2008-03-31
الدرس (074-100)
الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن
وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى :
( الحفيظ ) :
أيها الأخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم
اليوم " الحفيظ " .
ورود اسم الحفيظ في القرآن الكريم :
ورد هذا الاسم في قوله تعالى :
} وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ {
( سورة سبأ )
وفي قوله تعالى عن هود عليه السلام :
} فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً
غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئاًإِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ {
( سورة هود )
وقد ورد أيضاً هذا الاسم مقيداً ، الاسم كما تعلمون يرد مطلقاً
أو مقيداً ، ورد مقيداً في قوله تعالى :
} وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ
وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ {
( سورة الشورى )
ولم يرد هذا الاسم في السنة .
معاني اسم الحفيظ في اللغة :
أما من حيث اللغة : فالحفيظ في اللغة صيغة مبالغة من اسم
الفاعل الحافظ ،
الحافظ اسم فاعل صيغة المبالغة منه " الحفيظ "
الفعل حفظ ، يحفظ ، حفظاً .
الآن حفظ الشيء صيانته من التلف والضياع ، ويستعمل الحفظ
في العلم على معنى الضبط ، وعدم النسيان ، أو تعاهد الشيء
وقلة الغفلة عنه ، رجل حافظ ، وقوم حفاظ هم الذين رزقوا حفظ
ما سمعوا وقلّما ينسون شيئاً .
بالمناسبة :
الذكاء شيء ، والذاكرة القوية شيء آخر ، لكن بينهما منطقة
مشتركة يعني كل ذكي لابدّ من ذاكرة تعينه في استرجاع الحقائق،
وكل من يملك ذاكرة قوية على شيء من الذكاء ، أما الذكاء شيء
في النهاية ، وصاحب الذاكرة القوية شيء آخر .
والحافظ و " الحفيظ " أيضاً هو الموكل بالشيء يحفظه ،
ومن ذلك الحفظة من الملائكة كما في قوله تعالى :
} لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ {
( سورة الرعد الآية: 11 )
} لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ {
} يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {
( سورة الرعد الآية: 11 )
} يَحْفَظُونَهُ {
} مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {
يعني الله عز وجل كرّم المؤمن بأنه أوكل ملائكة
} يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ{
المؤمن محفوظ ، الملائكة الحفظة الذين يحصون الأعمال ،
ويكتبونها على بني آدم كما قال تعالى :
} وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {
( سورة الانفطار )
ويقال : حفظ المال والسر حفظاً رعاه وصانه ، واحتفظ بالشيء
بنفسه ، يعني خصها به ، والتحفظ قلة الغفلة في الأمور والكلام ،
هذا ما يتعلق بمصدر الحفظ في اللغة .
الحفيظ من أقرب الأسماء للمؤمن من معانيها :
1 ـ الحفيظ سبحانه وتعالى هو العليم و المهيمن :
أما أن الله سبحانه وتعالى هو " الحفيظ " أيها الأخوة ، هذا الاسم
من أقرب الأسماء للمؤمن .
أما " الحفيظ " سبحانه وتعالى هو العليم ، المهيمن ، لن تكون
مهيمناً إلا أن تكون عليماً ، العليم ، المهيمن ، لا تغيب عنه لا
شاردة ، ولا واردة .
} يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ {
( سورة غافر )
لا تخفى عليه خافية ، " الحفيظ " هو العليم ، والمهيمن ، هو
الرقيب على خلقه .
} إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {
( سورة النساء )
} إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ {
( سورة الفجر )
من لوازم أنه حفيظ يعلم كل شيء ، لا يغيب عنه شيء ، العليم ،
المهيمن ، الرقيب على خلقه ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في ملكه .
2 ـ الحفيظ هو الذي يحفظ أعمال المكلفين :
الآن : و " الحفيظ " هو الذي يحفظ أعمال المكلفين ، أعمالك
محفوظة عنده حركاتك ، وسكناتك محفوظة عنده ، والذي شرف
} كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ {
يدونون على العباد القول ، أقوالهم ، وخطراتهم ، وحركاتهم ،
وسكناتهم ، الآية الكريمة :
} فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ *
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكلِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ *
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُوم {
( سورة الشعراء )
حركاتك ، وسكناتك ، وخطراتك ، وكل جزئيات حياتك ، محفوظة
عند الله عز وجل .
3 ـ الحفيظ يحفظ على عباده أسماعهم وأبصارهم وجلودهم :
وهو " الحفيظ " بمعنى ثالث ، يحفظ على عباده أسماعهم ،
وأبصارهم ، وجلودهم يحفظ لهم أسماعهم ، وأبصارهم ،
وجلودهم ، لماذا ؟
قال : لتشهد عليهم يوم اللقاء .
} شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ {
( سورة فصلت الآية: 20 )
4 ـ الحفيظ يحفظ من يشاء من الشر والأذى والبلاء :
أيها الأخوة ، و " الحفيظ " بمعنى رابع هو يحفظ من يشاء من
الشر ، والأذى والبلاء ، أرأيت إلى هذا الاسم ؟
يتصل بحياتنا اتصالاً وثيقاً .

بنت الاسلام 06-16-2013 06:40 PM

5 ـ الحفيظ هو الذي يحفظ أهل الإيمان والتوحيد ويعصمهم من
الهوى وشبهات الشيطان :
و " الحفيظ " هو الذي يحفظ أهل الإيمان والتوحيد ، ويعصمهم
من الهوى وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء وقلبه من
الوقوع بالعصيان .
} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {
( سورة الفاتحة )
لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا حول عن معصيته إلا به ،
ولا قوة على طاعته إلا به ، يحفظ أهل التوحيد والإيمان ،
ويعصمهم من الهوى ، وشبهات الشيطان ، ويحول بين المرء
وقلبه من الوقوع في العصيان .
6 ـ الحفيظ هو الذي يهيئ الأسباب التي تعينك على الطاعة والإيمان :
الآن : و " الحفيظ " هو الذي يهيئ الأسباب بتوفيقه إلى الطاعة
والإيمان ، يحفظك من الوقوع في العصيان ، ويمدك بالأسباب
التي تعينك على الطاعة والإيمان .
ثبت من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يدعو ويقول :
( اللهمَّ احفظني بالإسلامِ قائمًا ، واحفظنِي بالإسلامِ قاعدًا ،
واحفظنِي بالإسلامِ راقدًا ، ولا تشمتْ بي عدوًّا ولا حاسدًا ، اللهمَّ
إنِّي أسألُك منْ كلِّ خيرٍ خزائنُهُ بيدِكَ ، وأعوذٌ بكَ منْ كلِّ شرٍّ
خزائنُهُ بيدِكُ )
الراوي : عبدالله بن مسعود – المحدث : السيوطي –
المصدر : الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم : 1486
خلاصة حكم المحدث : صحيح

الشر المطلق يتناقض مع وجود الله فالله عز وجل يوظف الشر
النسبي للخير المطلق :
لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( والخيرُ بيديكَ والشرُّ ليس إليكَ )
الراوي :- المحدث : ابن تيمية – المصدر : مجموع الفتاوى
الصفحة أو الرقم : 15/211
خلاصة حكم المحدث : صحيح

كلام دقيق ، يعني الشر نسبي ، ليس هناك شر مطلق ، الشر
المطلق يتناقض مع وجود الله ، هناك خير مطلق ، و هناك شر
نسبي ، يعني هذه المصيبة بالنسبة إليك تعد شراً لكنها بالنسبة
إلى مآلك ومستقبل حياتك تعد خيراً .
لذلك الله عز وجل يوظف الشر النسبي للخير المطلق .
( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ )
للتوضيح :
مركبة من أحدث المركبات ، ساقها صاحبها وهو ثمل ، شرب
الخمر وساقها ، نزل في الوادي ، تحطمت ، هذا المنظر المشوه
للمركبة هل يحتاج إلى صانع ؟
لا ، الصانع أخرجها من معمله كاملة ، أما حينما أسيء
استخدامها ، وتحطمت نقول هذا الشر ناتج من مخالفة التعليمات .
( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ )
الشر سلبي ، الشر ناتج عن إنسان أعطاه الله حرية الإرادة ،
أعطاه الشهوات ، ولم يتحرك وفق منهج الله ، لو تحرك وفق
منهج الله لما كان شراً إطلاقاً ، فالشر ناتج من كائن أودع الله فيه
الشهوات ، ومعه حرية الاختيار ، وتحرك من غير ضابط من
منهج الله لذلك قال تعالى :
} وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ {
( سورة القصص الآية: 50 )
الشر المطلق لا وجود له في الكون :
إذاً الشر نسبي ،
( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ )
بينما الشر المطلق لا وجود له في الكون ، بل الشر المطلق
يتناقض مع وجود الله ، الشر ناتج عن سوء الاستعمال ، الملح
مادة مهمة جداً ، إذا وضعت في الحلويات لا تأكلها صار حلويات
لا تؤكل ، الأصل الملح مادة مفيدة ، والسكر مادة مفيدة ، والمواد
التي صنعت منها الحلويات مواد مفيدة ، أما حينما أسيء استخدم
الملح وضع في الحلويات هذا هو الشر النسبي ، ناتج من سوء
الاستعمال ، والسكر مادة مفيدة ، والمسحوق الأبيض للتنظيف
مادة مفيدة ، إن وضعت في الطعام فالطعام لا يؤكل .
فالشر سلبي لا يحتاج إلى صانع ، يحتاج إلى إنسان مخير تحرك
بقوة شهوته من دون ضابط من شرع ، والدليل الواضح :
} وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ {
معنى ذلك الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه .
7 ـ الحفيظ هو الذي حفظ السماوات والأرض بقدرته :
الآن : و " الحفيظ " أيضاً هو الذي حفظ السماوات والأرض
بقدرته ، قال تعالى :
} وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حفظيهما
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {
( آية الكرسي من سورة البقرة )
فالله حفيظ لمخلوقاته أي أنه يبقيها على حالها ، لغاياتها ، وينظم
ترابط العلل بالمعلولات ،هذه قوانين ، هناك علة ، وهناك معلول ،
أي هناك سبب ، وهناك نتيجة ، من نظّم علاقة الأسباب بالنتائج ؟
هو الله عز وجل ، يعني الله تفضل علينا بمليارات القوانين ،
قوانين ثابتة ، هذه القوانين الثابتة تنظم الحياة ، أنت أمام قوانين،
والقانون يعطيك قدرة على التنبؤ ، الآن يوجد فواصل تمدد ،
التمدد قانون ، أثناء البناء تراعي هذا القانون ، فالبناء لا يتصدع،
لو ما في قوانين الحياة لا تُعاش ، تصبح الحياة شاقة جداً ، كل
شيء له قانون .
8 ـ الحفيظ يبقي مخلوقاته على حالها و لغاياتها :
إذاً " الحفيظ " يبقي مخلوقاته على حالها ، لغاياتها ، وينظم
ترابط العلل بمعلولاتها وهو سبحانه وتعالى يحفظ الأشياء بذواتها
وصفاتها .
الله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والموجودات التي يطول
أمدها والتي لا يطول .
الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ذكر أن الحافظ على وجهين ، يعني
الحفظ الإلهي على وجهين ، الوجه الأول إدامة وجود لموجودات
وإبقائها ، ويضاده الإعدام ، الشيء الموجود يعني محفوظ ،
الحفظ يعني البقاء ، الله عز وجل أبقى الشمس شمساً ، والقمر
قمراً ، والنجوم نجوماً ، أبقى الماء ماءً ، والهواء هواءً ، أبقى
المعادن معادن ، أعطاها خواص ، خواصها ثابتة .
والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض والملائكة والموجودات
التي يطول أمدها والتي لا يطول .
هناك شيء ، يقول لك :
القمح مثلاً وجد في الأهرامات ، من ستة آلاف عام فلما زُرع
نبت ، والقمح في رشيم ، والرشيم كائن حي ، معنى هذا الكائن
الحي عاش ستة آلاف عام في أشياء يمد لها في العمر ، وهناك
أشياء عمرها سريع ، جسمك أقصر خلية عمرها 48 ساعة خلايا
زغابات الأمعاء ، تتجدد كل 48 ساعة ، وأطول خلية بالإنسان
عمرها خمس سنوات ، الخلية العظمية ، يعني أنت أيها الإنسان
تتجدد كلياً كل خمس سنوات ، عدا خلايا الدماغ وخلايا القلب .
كل المعلومات والأفكار والخبرات والمهارات والذواكر بالدماغ ،
لو أنها تبدلت يفقد الإنسان كل اختصاصه ،
يقول لك :
أنا كنت طبيباً ، كنت ، فالدماغ ثابت ، وجميع المشاعر والأذواق
في القلب ، وتبديل القلب في مشكلة كبيرة جداً ، مشاعر القلب ،
صاحب القلب الأول تتأتى للذي زُرع هذا القلب له .

بنت الاسلام 06-16-2013 06:41 PM

الحفظ الإلهي على وجهين :
1 ـ إدامة وجود الموجودات وإبقائها :
فأول وجه من وجوه الحفظ إدامة وجود الموجودات ، وإبقائها ،
وهذا يعاكسه الإعدام ، والله تعالى هو الحافظ للسماوات والأرض،
والملائكة ، والموجودات التي يطول أمد بقائها ، والتي لا يطول .
2 ـ الحفظ صيانة للمتقابلات والمتضادات بعضها عن بعض :
الوجه الثاني للحفظ :
أن الحفظ صيانة للمتقابلات والمتضادات بعضها عن بعض ، الآن
الماء يطفئ النار ، فالماء والنار متضادان ، والنار تحيل الماء
بخاراً والماء والنار أيضاً متضادان ، ما الذي يحفظ للماء وجوده
وللنار وجودها ؟
هو الله عز وجل ، هما يتعادلان ، ويتناقضان .
أيها الأخوة ، وقد جمع الله عز وجل بين هذه المتضادات
المتنازعة ، في سائر العناصر والمركبات ، وسائر الأحياء
كالإنسان ، والحيوان ، والنبات .
الآن ارتباط العلل بمعلولاتها ، يعني الأسباب بنتائجها ارتباط من
خلق الله عز وجل ، لولا هذا الارتباط لتنافرت ، وتباعدت ، وبطل
امتزاجها ، واضمحل تركيبها .
الحفظ الحقيقي الذي يسعى إليه كل إنسان لا يكون بجهده ولكن
يكون بحفظ الله له :
الآن لو دخلنا في موضوع يمسنا كثيراً ، كل إنسان وصل لمنصب
يحافظ عليه بل إن أربع أخماس وقته للحفاظ على هذا المنصب ،
كل إنسان وصل إلى مكتسب يحافظ عليه ، وصل إلى ثروة يحافظ
عليها ، وصل إلى مركز يحافظ عليه ، فالحفاظ على الشيء من
طباع الإنسان ، لكن الحفظ الحقيقي الذي تسعى إليه جاهداً لا
يكون بجهدك ، ولكن يكون بحفظ الله لك ،
والله عز وجل قال :
} فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {
( سورة يوسف )
يعني جميع الأسباب التي تتخذها للحفاظ على مالك قد لا تُفلح ،
أما حفظ المال يكون بأن تؤدي زكاته .
( ما تلفَ مالٌ في بَرٍّ و لا بحرٍ إلا بِحَبِسِ الزكاةِ )
الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : السيوطي –
المصدر : الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم : 7878
خلاصة حكم المحدث : صحيح
بطولة الإنسان لا أن يتخذ الأسباب المادية لحفظ ما هو فيه بل
يتخذ الأسباب التشريعية :
الآن البطولة لا أن تتخذ الأسباب المادية لحفظ ما أنت فيه ، تتخذ
الأسباب التشريعية لحفظ ما أنت فيه ، يعني مع الله لا يوجد ذكي.
( ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجدُّ )
صحيح البخاري و مسلم
ويؤتى الحذر من مأمنه ، والله عز وجل له أفعال عجيبة ، حتى إن
بعضهم قال : عرفت الله من نقض العزائم ، جميع الجهود الجبارة
التي تبذل من أجل الحفاظ على الشيء لا تجدي، لا يجدي إلا أن
يحفظك الله ،
} فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {
على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله
وكأنها ليست بشيء .
أنا لا أرفض أن آخذ بالأسباب خذ بالأسباب ، لكن البطولة أن تأخذ
بالأسباب وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست
بشيء ، هذه البطولة ، البطولة أن أراجع مركبتي مراجعة تامة
قبل السفر ، أراجع كل شيء فيها ، وبعد هذه المراجعة التامة
أتوجه إلى الله عز وجل وأقول له :
يا رب أنت الحافظ ، أنت الموفق ، أنت المسلم ، أدرس دراسة
متقنة جداً ، وقبل الامتحان أقول له يا رب أنت الموفق ، أنت
المعين على النجاح ، من السهولة بمكان أن تأخذ بالأسباب وأن
تنسى الله عز وجل ، ومن السهولة أيضاً أن تكون كسائر
المسلمين لا يأخذون بالأسباب إطلاقاً ، يقول لك الله الموفق ،
هذا موقف غير صحيح وغير علمي ، ينبغي أن تأخذ بالأسباب
وكأنها كل شيء ، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
بل إن السلوك الصحيح طريق عن يمينه وادٍ سحيق ، وعن يساره
واد سحيق ، إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها ، ونسيت الله عز
وجل ، أو ألهتها كالغرب وقعت في وادي الشرك ، وإن لم تأخذ
بها كالشرقيين ، وتواكلت على الله تواكلاً ساذجاً وقعت في وادي
المعصية ، الصواب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، وثم
تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
هذا الدرس البليغ يحتاجه المسلمون .
( إنَّ اللَّهَ يلومُ على العجزِ )
[ أخرجه أبو داود ]
تستسلم ؟ تقول ما بيدنا شيء ، انتهينا ، المصير بيد الله عز
وجل ، وأنت لا تعمل ، هذا موقف انهزامي ، موقف بعيد عن
الموقف الصحيح اعتقاداً ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء .
أنت تأخذ بالأسباب ، أما حينما يحال بينك وبين النتائج عندئذٍ لك
أن تقول : حَسبيَ الله ونعم الوكيل .
إذاً الحفاظ على الشيء لا يقل عن تحصيله ، والحفظ الحقيقي
يكون بأخذ الأسباب والتوكل على رب الأرباب .
( ولا ينفعُ ذَا الجَدِّ منك الجَدُّ )
رواه البخاري
مع الله لا يوجد ذكي ، يوجد مستقيم ، المستقيم يحفظه الله عز
وجل ، أما الذكي يؤتى من مأمنه ، يؤتى من جهة ليست متوقعة .
حفظ الله عز وجل للإنسان يكون بطاعته و الاستقامة على أمر :
كما تعلمون أيها الأخوة ، الإنسان معرض لأخطار لا تنتهي ، مهما
أخذ الإنسان بأسباب الحفظ فقد يؤتى الحذر من مأمنه والنبي عليه
الصلاة والسلام علمنا أن نأخذ بالأسباب ، اعقل وتوكل .
طبيب في أمريكا ، رفع راية الجري ، والجري مفيد جداً للقلب ،
لكنه قال :
إن الذي يجري لا يصاب بآفة قلبية إطلاقاً ، وله مقالات ،
وندوات ، وكتب ، وهو يجري في اليوم 20 كم ، عمره بين
الأربعين والخمسين ، مات وهو يجري ، لا لأن الجري خطأ ،
الجري صواب ، ولكنه لأنه أله الجري ونسي الله عز وجل ،
يؤتى الحذر من مأمنه ، في آلاف القصص حول ذلك .
ورد في الأثر القدسي أن الله عز وجل يخاطب بعض عباده يوم
القيامة ، يقول :
( يجاءُ بابنِ آدمَ يومَ القيامةِ فيوقَفُ بين يديِ اللهِ تعالى فيقولُ لهُ :
أعطيتُك وخوَّلتُك وأنعمتُ عليك ، فماذا صنعتَ ؟
فيقولُ : يا ربِّ جمعتهُ وثمَّرتهُ فتركتهُ أكثرُ ما كان فارجعْني آتيكَ
به فيقولُ اللهُ تعالى :
أرِني ما قدَّمتَ
فيقولُ : فإذا عبدٌ لم يقدِّمْ خيرًا فيُمضى به إلى النارِ )
الراوي : أنس بن مالك – المحدث : ابن العربي –
المصدر : التذكرة للقرطبي - الصفحة أو الرقم : 265
خلاصة حكم المحدث : صحيح

أيها الأخوة ، قضية الحفظ شيء يهم كل مؤمن ، حفظ الله هو
المنجي ، هو الحقيقي ، أما إذا أخذت أسباب الحفظ ما في مانع ،
بل لابدّ من أن تأخذها ، لكن إياك أن تنسى الله عز وجل ، لو
نسيت الله عز وجل ، يؤتى الحذر من مأمنه .
( ولا ينفعُ ذَا الجَدِّ منك الجَدُّ )
واسم " الحفيظ " من أقرب الأسماء إلى الإنسان ، الله عز وجل
يحفظ له صحته ، يحفظ له ماله ، يحفظ له أهله ، يحفظ له إيمانه،
وهذا الحفظ له ثمن هو طاعة الله عز وجل .
والحمد لله رب العالمين




All times are GMT +3. The time now is 12:13 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.